كان موسم الحجيج وقوافل الحجّاج الكبيرة هدفاً لكثيرٍ من القبائل للسلب والنهب ، أو للتجارة ، للنقل ، وكانت منطقة مضائق العقبة الواقعة في درب الحاج إلى الغرب من بلدة العقبة من أخطر المناطق في درب الحاج وأصعبها على القوافل ، لذلك كانت مستهدفة من بعض القبائل التي لا تستفيد من موسم الحجاج بالبيع والشراء أو النقل أو حفظ الدرك ، ومن بين الأحداث التي تعرّض لها الحجّاج في منطقة العقبة حربٌ وقعت بين بعض القبائل وجيش العقبة عام 1089 هــ 1678 م وفيما يلي تفصيل الخبر :
ومن العجب أنه في عام 1089 هــ ( = 1678 م ) حين كان محمد عبد الرحمن باشا متولّيا على مصر ، سافر أمير العقبة من العدليّة ضارباً طبوله ومطلقاً مدافعه وبنادقه ، وهو يحمل قدراً هائلاً من الأموال ، حتى إذا بلغ مضيق العقبة وجدها محتلة بعشرات من بني زهد Zuhd وبني رشيد وآل عمر من قبائل عربان الشام الذين شرعوا في القتال مع جيش العقبة ، فأطلق الجيش عليهم النار من المدافع دفعة واحدة أهلكت نحو مائة منهم ، بيد أن العربان ظلّوا بها ولم يتركوها ، فلم يجد أمير العقبة مندوحة عن القيام بأمر معقول هو التقهقر إلى وادٍ ذي ماء ونبات ، فعاد إليه ورابط به وبثّ حوله جنوداً للمحافظة ، ثم أرسل نجّاباً إلى الباشا الوزير يطلعه على ما أصابهم من العقبات الأليمة في العقبة .
وصل النجّاب إلى عبد الرحمن باشا في ثلاثة أيام ، ومن العجب أنه وصل والديوان السلطاني منعقد ، فذهل أرباب الديوان وتحاوروا في الأمر . ولكن سرعان ما أدرك دولة الوزير ما يتعرض له الحجّاج من سوء الحال إن لم تصلهم النجدة من أمير العقبة ، فطلب مدير الخزينة وأمره بتخصيص أربعين كيساً مصرياً ، ثمَّ أرسل إلى جاويشية الآلاي للتبليغ إلى البلوكات السبعة وغيرهم من رجال المعسكرات بأنَّ من كان مستعداً للسفر بحصانه وثيابه ويريد الحصول على المال فليحضر . ورفع لواء أبيض أمام السراي وطلب في لمح البصر أحد أمراء الحجّ المعزولين فأمره قائلا : " إن كنت في حاجة إلى رأسك فعجّل بالخروج مع خمسمائة من رجالك وألف رجل من مالي ومال المحافظة وإلّا فسأقطع رأسك في سبيل رأس السلطان " . ثمَّ خلع عليه خلعة فاخرة ، وكم كانت دهشة أهل الديوان الذين شاهدوا محاولته الخروج من شباك الديوان الحديدي دون انتظار . ولمّا كان اليوم التالي قال : " الأمر أمركم ، فخرج من قصر الباشا وقت العصر مع خمسمائة جندي مختارين مدجّجين بالسلاح ضارباً الطبول ورافعاً الأعلام في عرض عظيم حاز رضا الباشا الذي خلع عليه خلعة مزركشة فاخرة وحلّى عمامته بطرّة سلطانية ، فاجتاز القاهرة بموكبه وأقام بالعادلية . وقد مضت تلك الليلة في القاهرة بقيد أسماء الأبطال الشجعان المتفاخرين بفروسيتهم والذين بلغ عددهم زهاء مائتين ، والتحقوا بالأمير بالعادلية . وأعقبتهم ثلاثة مدافع سلطانية أطلقت فور وصولها إليها ، ثم قام ألف رجل يحثّون السير فبلغوا جيش العقبة في أربعة أيام ولياليها وانضموا إليه ، ثم أرسلوا جنوداً مشاة على أطراف العقبة وصخورها وشعابها لاقتناص العربان الذين ظنّوا أنَّ جيشا عرمرماً قد وصل فاعتصموا بالفرار ، واجتاز الجيش مضيق العقبة بسلام ووجدوا الحجّاج مقيمين بالجهة الأخرى في حالة جدّ سيئة . ولكنهم حينما رأوا جيش الإنقاذ هذا رُدّت إليهم أرواحهم وتحسّنت حالتهم المعنوية ، وأرسل نبأ سلامتهم إلى الوزير بوساطة " مبشري الجبل الذين أوصلوه إليه في اليوم الرابع ، فسرّوا وابتهجوا ومنح كلّ مبشر خمسة فلسات " ترقية " وصرراً وخلع عليهم خلعاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق