تهتم هذه المدونة وتعنى بتاريخ وتراث وأعلام العقبة وجوارها

السبت، 8 سبتمبر 2018

العقبة عام 1906 م في نصوص نعوم شقير


كتب الكثيرون عن العقبة ، ومن بين هؤلاء نعوم شقير سكرتير اللجنة المصرية في قضية الحدود بين الدولة العلية العثمانية وبين ولاية مصر عام 1906 م ، فقد زار البلدة فدوّن عنها نصّاً فصّل فيه أحوال العقبة آنذاك ، وهو من أهمّ ما كٌتب عن العقبة في ذلك العهد وفيما يلي نصّه بحرفه :
مدينة العقبة : أمّا مدينة العقبة فهي مدينة صغيرة في رأس خليج العقبة على نحو 190 میلاً من السويس بطريق البحر و 150 ميلاً بطريق البر . وهي مدينة حديثة العهد قائمة على أنقاض مدينة أيلة الشهيرة . فيها قلعة قديمة ونحو مئة كوخ مبنية بالحجر الغشيم والطين . يسكنها نحو 350 نفساً من متخلّفي العساكر الذين كانت مصر ترسلهم لحماية القلعة . وينتابها مشايخ الحويطات العلويين .
والبلدة قائمة على تلّة وسط حديقة متّسعة من النخيل تمتد شمالاً وجنوباً على شاطئ الخليج مسافة ميل أو أكثر . وفي البلدة والحديقة آبار عذبة الماء يُزرع عليها أنواع الخضر كالبامية والملوخية والباذنجان والطماطم ونحوها . ويمكن زرع الذرة والزيتون والنيلة والقطن لأنَّ التربة خصبة والماء كثير .
وقد دخلت العقبة في حدِّ الحجاز كما مرَّ . وعظم شأنها بعد حملة الدولة الأخيرة على اليمن فصارت محطة للعساكر ومُدَّ إليها خط التلغراف من معان فوصلها في مايو سنة 1905 . ومُدّت سكّة الحديد الحجازية من دمشق إلى المدينة ، وكان في النيّة مدُّ فرعٍ إلى العقبة من معان . وكانت العقبة محطّة من محطّات الحجّ المصري أيّام كانت طريق الحجّ تمرّ بسيناء . وكان حجّاج جنوب سوريا يأتونها بدرب غزة فيجتمعون فيها مع الحج المصري ، ويجي مع حجّاج سوريا نفرٌ من التجّار ومعهم الحبوب وأنواع الفاكهة والخضر والمأكولات بقصد بيعها على الحجاج ، ولكن انقطعت درب غزّة بانقطاع درب سيناء ، ولم يعد يمرُّ بها سوى بعض تجّار الإبل بين الحجاز والشام كما سيجيء .
قلعة العقبة : أمّا قلعة العقبة فقائمةٌ في جنوب بلدة العقبة لاصقة بها من جهة الشرق . وهي على نحو 50 متراً من شاطئ الخليج في سفح جبل عظيم يفصل خليج العقبة عن الحجاز . وفي منحدر هذا الجبل كان الحج المصري ينصب خيامه عند نزوله بالعقبة . وفيه تعسكر الآن جنود الدولة العلية عند مجيئها اليها ، والقلعة على مثال قلعة نِخِل مربّعة الشكل مبنية بالحجر المنحوت ، وكان على كلِّ ركنٍ من أركانها الأربعة برجٌ قد تهدّم الآن . ولها بوّابة عظيمة بقنطرة تفتح إلى الشمال الشرقي يُدخل منها إلى صحن القلعة بدهلیز عظيم معقود بالقناطر . وفي أوّل الدهليز عن يمين الداخل وشماله ديوانان مبنيان بالحجر قد نقش على جدرانهما وواجهة البوّابة بأحرف ناتئة كبيرة اسم باني القلعة ومُرمّمها . أمّا باني القلعة فهو السلطان قانصوه الغوري الملك الذي قبل الأخير من ملوك دولة المماليك الثانية على مصر . 1501 إلى 1516 م . وأمّا مُرمّمها فهو السلطان مراد الثالث سنة 1584 : 1595 م .
وقد قرأت على جدار الديوان الأيمن هذه العبارة : ( أمر بإنشاء هذه القلعة المباركة السعيدة مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري سلطان الإسلام والمسلمين قاتل الكفرة والملحدين محيي العدل في العالمين … )
وفي واجهة القلعة على صدغي القنطرة حجران مستديران نُقش على كلٍّ منهما هذه العبارة : ( لمولانا السلطان الملك الأشرف . مراد بن سليم خان . عز نصره جدّد هذه القلعة ) ، وفي داخل البوّابة إلى يسار الداخل حجران آخران مستديران قد نُقش على كلٍّ منهما هذه العبارة : ( لمولانا السلطان مراد بن سليم عز نصره . جدد هذه القلعة سنة 996 ) هــ سنة 1588 م .
وقد رأيت هذه القلعة سنة 1906 م فإذا بها متردّمة وتحتاج إلى ترميمٍ كثيرٍ وفي داخلها مخازن للحبوب والذخائر . ومخبز للعساكر . وبئر بعيدة الرشاء . وشجرة سدر . وبقيت هذه القلعة بيد مصر وعساكر مصر تحميها إلى أوائل سنة 1892 م فسُلّمت إلى الدولة العلية كما سيجيء
قال صاحب كتاب ( درر الفرائد ) سنة 1548 م : " وبعقبة أيلة آبار منها في داخل الخان ( القلعة ) واحدة ماؤها عذبٌ سائغٌ من بناء السلطان الغوري مع الخان . وفي الخارج بئران داخل نخل وماؤها عذب وهما منهل الحاج وبئرٌ خارج النخل حيث الفضاء وماؤها دون ذلك ويسمونها آبار العرب ، وكلّ من أراد الماء فليحفر من الأرض مقداراً قريباً يرى ماءً عذباً أحسن من ماء الآبار . وتختلف الحفائر في العذوبة فبعضها أحلى من بعض وأعذب والله أعلم " أ . هــ
قلت  : وكان صاحب الدُّرر فيما نعلم أوّل من سمّى المدينة ( عقبة أيلة ) الاسم الذي عُرف به الجبل العظيم ذو العقبة الشهيرة غربيّها . ثمَّ أهمل اسم أيلة وسُمّيت المدينة العقبة ، وسُميت عقبة الجبل نفسها ( نقب العقبة أو النقب ) لأنَّ ملوك مصر نقبوا أي مهّدوا فيها طريقة للحجِّ المصري كما سيجيء في باب الطرق " أ . هــ
انتهى ما ذكره نعوم شقير . 

قلت : القول بأنَّ الجزيري أوّل من سمّى المدينة ( عقبة أيلة ) غير صحيحٍ بل عُرفت بهذا الاسم في زمن أقدم من هذا .
وقوله ( وينتابها مشايخ الحويطات العلويين ) أي يتردّدون عليها ، والعلويين تصحيف العلاوين ، وهم جلّ حويطات الأردن ، نسبةً إلى جدّهم علوان ، وهو أخو عمران جدّ قبيلة العمران من الحويطات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق