تهتم هذه المدونة وتعنى بتاريخ وتراث وأعلام العقبة وجوارها

الأربعاء، 13 يونيو 2018

الأسطول المصري يحرّر أيلة ( العقبة ) عام 578 هــ


في حديث له عن الأسطول المصري في عهد الحروب الصليبيّة كتب الأستاذ أحمد أحمد بدوي دراسة عن القوّة العسكريّة المصرية في زمن الصليبيّين كتبها عام 1949 م تناول فيها تحرير الأسطول المصري في عهد صلاح الدين الأيّوبي لمدينة أيلة عام 578 هــ فقال : " لم يقف جهاد الأسطول في عهده على حزب الفرنج بالبحر الأبيض فقط ، كنت له وقفات حاسمة في البحر أيضاً ، دافع فيها الفرنج عن الأراضي المقدسة بالحجاز ؛ ذلك أن صاحب الكرك وهو من ألد أعداء المسلمين وأشدهم نكاية فيهم ، فكر في مهاجمة المسلمين في البحر الأحمر ظناً منه أنهم غير مستعدين فيه ، وتأديباً لحامية أيلة التي كنت تغير عليه ، ولا سبيل له عليها لأنها تقيم بقلعة في وسط البحر ، فبنى سفنا ، ونقل أخشابها على الجمال إلى الساحل ، وجمعها في أسرع وقت ، وشحنها بالمحار يبن وآلات القتال ، وسارت السفن وقد افترقت فرقتين ، أقامت إحداهما على حصن أيلة يحصرونه ويمنعون أهله من ورود الماء ، فأصاب أهله شدّة وضيق .

ومضت الثانية ، وهي فرقة فدائية إلى عيذاب ، وأفسد جندها في السواحل ، ونهبوا ، واخذوا ما وجدوا من المراكب الإسلامية ، ومن فيها من تجار ، وفاجئوا الناس منهم على حين غفلة منهم ، فإنهم لم يعهدوا بهذا البحر فرنجياً ولا محارباً وأرادت الفرقة أن تقطع طريق الحج ، فقد كانت الغزوة في شهر شوال سنة 578 ، وأن تمضي إلى المدينة المنورة لتنبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنقل جسده الشريف إلى بلادها ، وتدفنه عندها ، ولا تمكن المسلمين من زياراته إلا بجعل ؛ وسارت الفرقة إلى بلاد الحجاز ، وجاء الخبر إلى مصر وبها الملك العادل أخو صلاح الدين ، فأمر قائد الأسطول وهو الحاجب لؤلؤ أن يتتبع هؤلاء الغزاة ، فانقض على محاصري أيلة انقضاض العقاب ، فقاتلهم فقتل بعضهم وأسر الباقي ، ومضى تواً إلى شاطئ الحجاز ، فوجدهم قد أوغلوا في طريق المدينة حتى لم يبقى بينهم وبينها إلا مسافة يوم ، فمضى خلفهم على خيل أخذها من الأعراب وحاصرهم هناك في شعب حتى استسلموا ، فقتل أكثرهم ، وأرسل بعضهم إلى منى لينحروا بها، عقوبة لمن رام إخافة حرم الله تعالى وحرم رسوله ، وعاد الباقين إلى مصر ، فكان لدخولهم يوم مشهود ، وأرسل صلاح الدين إلى أخيه العادل بأمره بقتل أسراه ، وبقول له على لسان القاضي الفاضل : وهؤلاء الأسارى قد ظهروا على عورة الإسلام كشفوها وتطرقوا بلاد القبلة وتطوفوها . . . ولابد من تطهير الأرض من أرجاسهم ، والهواء من أنفاسهم ، بحيث لا يعود منهم مخبر يدل الكفار على عورات المسلمين . ويظهر أن العادل كان من رأيه الإبقاء عليهم فكتب إلى أخيه بما رآه ، ولكن صلاح الدين لم يغير رأيه فيهم فكتب إلى العادل يقول له : وليس في قتل هؤلاء الكفار مراجعة ، ولا للشرع في إبقائهم فسحة ولا في استبقاء واحد منهم مصلحة ، ولا في التغاضي عنهم عند الله عذر القبول ، ولا حكم الله في أمثالهم عند أهل العلم بمشكل ولا مجهول ، فليمض العزم في قتلهم ، ليتناهى أمثالهم عن فعلهم ، وقد كانت عظيمة ما طرق الإسلام بمثلها .
غير أن العادل والسياسة جزء من عناصره لا يسرع إلى قتلهم بل يراجع أخاه كرة أخرى ، فيرد عليه بالقول الفصل : قد تكرر الفناء في معنى أسارى بحر الحجاز ، فلا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ، ولا نوردهم بعد ماء البحر إلا ناراً فأقلهم إذا بقى جنى الأمر والأصعب ، ومتى لم تعجل الراحة منهم وعدت العاقبة بالأشق الأصعب ، فلم يبق بعد ذلك مجال للمراجعة وقتل الأسرى ، وتولى قتلهم الصوفية والفقهاء وأرباب الديانة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق