من أقدم ما كُتب عن أيلة ( العقبة ) في العهود المتأخّرة وتحديداً قبل نحو 143 عاماً ما كتبه الأستاذان سليم جبرائيل الخوري ، وسليم ميخائيل شحادة عام 1875 م 1291 هــ في مقالة ضافية عرّفت بأيلة حوت كثيراً من النصوص المشهورة لبعض علماء البلدانيّات والتاريخ كياقوت الحموي وابن الأثير والقزويني والمقريزي وغيرهم وفيما يلي نصّ ما كتباه بحرفه :
أيْلَة أو آيلة أو أيلانة عند الرومان واليونان . مدينة قديمة في ادوم ذكرت مع عصبون جابر ، وهي على راس الخليج العربي الذي سمي لذلك بخليج أيلة ، وكان أول ذكر ورد لها في الكتاب المقدس حين قدوم بني إسرائيل إلى أرض الميعاد ، ويظن أنها دخلت في ولاية داود النبي عندما استولى على أدوم وأنه جعل فيها حرساً وقد ورد في أمل 39:9 من الكتاب ما نصه : وعمل الملك سلمان سفنا في عصيون جابر التي بجانب أيلة على شاطئ بحر سوف في أرض أدوم . وقد ينتج من ذلك أن أيلة أقدم عهداً من عصيون جابر لأنه ورد ذكر تلك واقتضت الحال تعريفها بأيلة كما ترى .
كما ينتج ان تلك البلاد كانت في ولاية بني إسرائيل ، ويظن أنها أي أيلة وافقت أدوم على نبذ طاعة مملكة يهوذا في عهد الملك يورام ( الملوك الثاني 20:8 ) وأنَّ عزریا بناها وردّها ليهوذا ( الملوك الثاني 22:14 ) والمراد بذلك أنّه جدّد بناءها واحكم تزويقها وتزيينها حتى نُسب إليه بناؤها وأتاها بعد ذلك رصين ملك أرام ، وأخذها من اليهود عنوةً ، وأجلاهم عنها وأنزل بها قومه ، ولم يرد لها من ثمّ كرٌ حتى زمن الرومان الذين استولوا عليها وجعلوها في مقاطعة فلسطين الثالثة ، وكانت من مدن التخوم الجنوبية ، وكان بها أسقف وفي المجمع الخلكيدوني سنة 451 كان أسقف أيلة ومثله في المجمع القسطنطيني سنة 526 ، وكان متجرها أيام تقدّمها متّسعا رائجاً ودامت في تقدّم إلى القرون الأولى من الميلاد ، وقد ذكرها بروکوبيوس في القرن السادس فقال إنه كان يسكنها يهود خاضعون للروم ، وفي سنة 630 صالح حاكمها المُسمّى يوحنا النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم على أداء جزية مقدارها 300 دينار فلبثت في ولاء المسلمين إلى القرن الثاني عشر، وذكرها ابن حوقل والإدريسي وأبو الفداء ، وفي سنة 1116 فتحها بلدوين ملك أورشليم ، واسترجعها صلاح الدين الأيوبي سنة 1167 . قال ابن الأثير : " وفي هذه السنة ( أي سنة 566 من الهجرة ) سار صلاح الدين أيضا عن مصر إلى بلاد الفرنج فأغار على أعمال عسقلان والرملة ، وهجم على ربض غزة فنهبه ، وأتاه ملك الفرنج في قلّة من العسكر مسرعين لردّه عن البلاد فقاتلهم وهزمهم ، وأفلت ملك الفرنج بعد أن أشرف أن يؤخذ أسيراً ، وعاد إلى مصر وعمل مراكب مفصّلة وحملها قطعاً على الجمال في البرّ وقصد أيلة فجمع قطع المراكب وألقاها في البحر ، وحصر أيلة برّاً وبحراً وفتحها في العشر الاول من ربيع الاخر واستباح أهلها وما فيها وعاد إلى مصر " أ . هــ . وبقيت أيلة للمسلمين ، وتخلّل ولايتهم فيها استيلاء رينولد دوشاتليون المتهامل برهة وجيزة عليها سنة 1182 ، ثمَّ استردّوها . أمّا خراب هذه المدينة فلا يُعرف زمنه بالتأكيد فإن الشريف الإدريسي ذكرها فقال : " أيلة مدينة صغيرة والعرب يأوون اليها ويتصرفون فيها " ، وكانت في أيام ابي الفداء نحو سنه 1300 خاوية حيث قال : " وأيلة كانت مدينة صغيرة ، وكان بها زرعٌ يسيرٌ وهي مدينة اليهود على ساحل بحر القلزم ، وعليها طريق حجّاج مصر ، وهي في زماننا برج وبه والٍ من مصر ، وليس بها مزدرع ، وكان لها قليعة في البحر وأبطلت ونقل الوالي إلى البرج في الساحل " أ . هــ . أمّا الان فهي خربة وتعرف باسم عقبة أيلة نسبة إلى خليجها الواقع في شمال شرقي البحر الأحمر ، وهي المحطة الثانية عشرة لحجاج الشام ، وفيها قلعة يقيم بها جنود وبعض السكان بناها أحمد بن طولون صاحب مصر . قال ياقوت : " أيلة مدينة على ساحل بحر القلزم ما يلي الشام . وقيل في آخر الحجاز وأول الشام . قال أبو زيد : أيلة مدينة صغيرة عامرة بها زرع كثير ، وهي مدينة لليهود الذين حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت ، فخالفوا فمسخوا قردة وخنازير ، وبها في يد اليهود عهد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وقال أبو المنذر : سُمّيت بأيلة بنت مدين بن ابراهيم عليه السلام ، وقال أبو عبيدة : أيلة مدينة بين الفسطاط ومكّة على شاطئ بحر القلزم تُعد من بلاد الشام ، وقدم يوحنا بن رؤبة على النبي صلّى الله عليه وسلّم من أيلة وهو في تبوك فصالحه على الجزية وقرّر على كلّ حالمٍ ديناراً فبلغ ذلك ثلاثمائة دينار واشترط عليهم قرى من مرّ بهم من المسلمين ، وكتب له كتاباً أن يُحفظوا ويمنعوا ، فكان عمر بن عبدالعزيز لا يزداد على أهل أيلة عن الثلاثمائة دينار شيئاً ، وقال أحيحة بن الجلاح يرثي ابنه :
الا إنَّ عينـــيَّ بالبكــاءِ تــهلّل ..... جزوعٌ صبورٌ كلّ ذلك تفعلُ
فإن تعترينــي بالنــهار كآبــةٌ ..... فليلي إذا أمسي أمرُّ وأطولُ
فما هبرزيٌّ من دنانيــر أيلــةٍ ..... بأيدي الوشاة ناصع يتــأكّلُ
بأحسن منه يوم أصبح غادياً ..... ونفّسني فيه الحمام المعجّلُ
قال محمد بن حسين المهلّبي : ومدينة أيلة جليلة على لسان من البحر الملح ، وبها مجتمع حجّاج الفسطاط والشام ، وبها قوم يذكرون أنهم من موالي عثمان بن عفان ، ويقال انّ بها برد النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وقد كان وهبه ليوحنا بن رؤبة لمّا سار إليه إلى تبوك ، وخراج أيلة ووجوه الجبايات بها ثلاثة الاف دينار . وينسب إلى أيلة جماعة من الرواة منهم : يونس بن يزيد الأيلي صاحب الزهري ، وإسحق بن إسماعيل بن عبد الأعلى بن عبد الحميد بن يعقوب الأيلي ، وحسّان بن أبان بن عثمان أبو علي الأيلي " أ . هــ
قال الامام القزويني : " أيلة مدينة على ساحل بحر القلزم ممّا يلي الشام كانت جليلة في زمن داود عليه السلام ، والآن يجتمع بها حجيج الشام ومصر من جاء بطريق البحر ، وهي القرية التي ذكرها الله تعالى حاضرة البحر ، وحُكي أنَّ أهلها كانوا يهوداً حرّم الله تعالى عليهم يوم السبت صيد السمك ، وكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرّعاً بيضاء سماناً كأنها الماخض حتى لا يرى وجه الماء لكثرتها ، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم فكانوا على ذلك برهة من الدهر ، ثمَّ إنَّ الشيطان وسوس إليهم ، وقال إنما نهيتم عن صيدها يوم السبت ، فاتخذوا حياضاً حول البحر ، وسوّقوا إليها الحيتان يوم السبت فتبقى فيها محصورة ، واصطادوا يوم الأحد ، وفي غير يوم السبت لا يأتيهم حوت واحد ، ففعلوا ما أمرهم الشيطان خائفين ، فلمّا رأوا انَّ العذاب لا يعاجلهم أخذوا وأكلوا وباعوا ، وكان أهل القرية نحواً من سبعين ألفا ، فصاروا أثلاثاً ثلث ينهون القوم عن الذنب ، وثلث قالوا لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم ، وثلث يباشرون الخطيئة ، فلمّا تنبّهوا قال الناهون نحن لا نساكنكم ، فقسموا القرية للناهين باب ، وللمتعدّين باب ، ولعنهم داود عليه السلام ، فأصبح الناهون ذات يومٍ في مجالسهم لم يروا من المتعدّين أحداً فقالوا : إنَّ للقوم شأناً لعلَّ الخمر غلبتهم ، فعلوا الجدار ونظروا فإذا هم قردة ، فدخلوا عليهم والقردة تعرف أنسابها ، والأنساب لا يعرفونها ، فجعلت القردة تأتي نسيبها من الإنس فتشمّ ثيابه وتذرف دمعها ، فيقول نسيبها ألم أنهك عن السوء ، فتشير القردة برأسها يعني نعم ثم ماتت بعد ثلاثة أيام " أ . هــ ، وهي حكاية نتبرأ من صحّتها .
وقال المقريزي في الخطط ما ملخّصه : " وأيلة أوّل حد الحجاز ، وقد كانت جليلة القدر على ساحل البحر الملح بها التجارة الكثيرة ، وأهلها أخلاط من الناس ، وكانت حدّ مملكة الروم في الزمن الغابر ، وعلى ميل منها باب معقود لقيصر قد كان فيه مسلحته يأخذون المكس ، وبين أيلة والقدس ستُّ مراحل ، والطور الذي كلّم الله عليه موسى عليه السلام على يوم وليلة من أيلة ، وكانت في الإسلام منزلاً لبني أميّة ، وأكثرهم موالي عثمان بن عفّان ، وكانوا لقاة الحاج ، وكان بها علمٌ كثير وآداب ومتاجر وأسواق عامرة وكانت كثيرة النخل والزرع ، وعقبة أيلة لا يصعد إليها من هو راكب وأصلحها فائق مولى خمارويه بن أحمد بن طولون وسوّى طريقها ورمَّ ما استرمّ منها ، وذكر المسعودي أنَّ يوشع بن نون عليه السلام حارب السُّميدع بن هرمز بن مالك العمليقي ملك الشام ببلد أيلة نحو مدين ، وقتله واحتوي على ملكه ، وفي ذلك يقول عون بن سعيد الجرهمي :
ألم ترَ أنَّ العملقي بن هرمــــزٍ ..... بأيلة أمسى لحمه قد تمزّعا
تداعت عليه من یهودٍ جحافلٌ ..... ثمانون ألفاً حاسرين ودرّعا
وقال ابن إسحاق : لمّا انتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى تبوك أتاه تحية بن رؤبة ( هو يوحنا ) صاحب أيلة وصالحه وأعطاه الجزية وأتاه أهل جرباء وأذرح ، وكتب لهم كتاباً فهو عندهم ، وكتب لتحية بن رؤبة : بسم الله الرحمن الرحيم هذا أمنة من الله ومحمد النبي رسوله لتحية بن رؤية وأهل أيلة أساقفهم وسائرهم في البرّ والبحر لهم ذمّة الله وذمّة النبي ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر ، فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه ، وأنّه طيّب لمن أخذه من الناس ، وأنّه لا يحلُّ أن يمنعوا ما يريدونه ، ولا طريقا يریدونه من برٍّ أو بحر . هذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وكان ذلك في سنة تسع من الهجرة ، ولم تنزل مدينة أيلة عامرة آهلة ، وفي سنة 415 طرق عبدالله بن إدريس الجعفري أيلة ومعه بعض بني الجرّاح ونهبها ، وأخذ منها ثلاثة الاف دينار وعدّة غلال ، وسبي النساء والأطفال ، ثمَّ إنّه صُرف عن ولاية وادي القرى ، فسارت إليه سرية من القاهرة لمحاربته " أ . هــ
قلت : قول الكاتبين : ( أمّا الان فهي خربة وتعرف باسم عقبة أيلة نسبة إلى خليجها الواقع في شمال شرقي البحر الأحمر ) غير صحيح فالعقبة هو اسم الجبل الواقع إلى الغرب من المدينة والذي نُسب إليها فقيل عقبة أيلة ، ثمّ طغى اسم الجبل على المدينة فعُرفت بعقبة أيلة ، وآل الآمر إلى أن عُرفت المدينة بالعقبة نسبةً إلى ذلك الجبل . أمّا الخليج فقد كان اسمه تبعاً للمدينة ، فكان يُعرف بخليج أيلة ، ثمّ بخليج عقبة أيلة ، إلى أن أصبح يُعرف بخليج العقبة نسبةً إلى المدينة وليس العكس كما ذكره الكاتبان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق