تهتم هذه المدونة وتعنى بتاريخ وتراث وأعلام العقبة وجوارها

الاثنين، 13 أغسطس 2018

المؤامرة البريطانية اليهودية لاحتلال المُرَشَّش غربيّ العقبة



هذه مقالة كتبتها قبل 19 عاماً بتاريخ الأحد 23 جمادى الآخرة 1420 هــ  3 / 10 / 1999 م في جريدة العرب اليوم ( السنة الثالثة ، العدد 868 ) حول احتلال المُرَشَّش وهو القسم الغربيّ من منطقة العقبة وفيما يلي نصّها بحرفه :
طالعتنا جريدة الرأي في عددها رقم 10563 الصادر صباح الأربعاء 29 ربيع الاخر 1420 هــ الموافق 11 / آب 1999 م ص 18 ضمن مسلسلها الرائع ( صفحات من تاريخ الاردن ) الذي يحرّره الاستاذ مروان الشريّدة بصفحات من مفكّرة العميد المتقاعد فهد مقبول الغبين ، وقد لفت نظري في ذكرى المعارك التي خاضها الجيش العربي الأردني نصَّه القائل : " معركه وادي عربة بين قوه ج الأردنية يوم 10 / 7 / 1949 والقوّات الإسرائيلية وحصل العدو على موطئ قدم بالبحر الاحمر ولأوّل مرّة ، واستبدال اسم المُرَشَّش ليصبح إيلات " أ . هــ ، ثم ذكر في نهاية حديثه أنَّ استيلاء القوّات اليهودية على المُرَشَّش والغمر تم بتاريخ 10 / 7 / 1949 م ، وقال : " وعلى إثر ذلك أرسلت القيادة العامة برقيّة للقوّة ج تطلب منها الإنسحاب إلى شرقيّ الأردن ، وكان ذلك في أوائل شهر تموز 1949 " أ . هــ
وهذا الذي ذكره العميد المتقاعد فهد مقبول الغبين خطأٌ تاريخيٌّ غير صحيحٍ أبداً ذلك أنَّ القوات اليهوديّة استولت على المُرَشَّش نهار العاشر من آذار عام 1949 م ، وكانت أحداث الأيّام الخمسة الأخيرة سارت وفق ما يلي : 
1ــ بتاريخ 6 / 3 / 1949 م أرسلت قياده الجيش البرقية التالية الى قائد قوّة الجنوب الرئيس برومج ونصُّ البرقية يقول :
من القيادة الى ق . م .الجنوب
مكرّر ق . م . معان
اسحبوا قوّاتكم من المراكز التالية فوراً
1ــ أوّلاً : جبل الردّادي .
2ــ ثانياً : وادي اللحيانة .
3ــ ثالثاً : رأس النقب .
4ــ رابعاً : المُرَشَّش .
وتتجمّع القوّات في العقبة في المواضع التي يعيّنها لكم الجيش البريطاني .
تنقل الأسلحة والذخائر بقدر الإمكان وتتلف التجهيزات الثقيلة .
كلوب .

( أيّام لا تنسى ، ص  507 ، أسرار 1948 ، ص 656 ، السيادة العربية على خليج العقبة ومضيق تيران ، ص 17 ) 

خريطة تبيّن موقع وادي اللِّحْيانة شمال غرب وادي العربة 
نقلا عن أطلس فلسطين للدكتور سلمان أبو ستّة 

2ــ بتاريخ 7 / 3 / 1949 م استولى اليهود على عين حصب في شمال وادي العربة دون قتال ( حرب فلسطين ( 1947 ــ 1948 ، ص 703 ) ، وقد حدث اصطدام بين القوات اليهودية وسريّة الكتيبة الثالثة من الجيش العربي التي يقودها الملازم الثاني فليّح ماطر إثر إنسحاب هذه السريّة الى الجنوب ( أيّام لا تنسى ، ص 505 )
3ــ بتاريخ 8 / 3 / 1949 م كان اليهود قد استولوا على عين الويبة وعين الغَمْر وبئر المليحة في القسم الشمالي من وادي العربة فانسحبت سريّة الكتيبة الثالثة إلى شرقي وادي العربة واستقرّت في غرندل على نحو 70 كم شمال العقبة ( حرب فلسطين ( 1947 ــ 1948 ) ص 703 ، أيّام لا تنسى ، ص 505 )
4ــ بتاريخ 9 / 3 / 1949 م كانت القوّات الأردنية قد انسحبت إلى خطٍّ يبعد 40 ميلاً إلى الشمال من العقبة ( تاريخ الأردن في القرن العشرين ، ص  529 ) وقد استقرّت في سيل وادي طلاح حيث مقرّ السريّة التي يقودها الملازم سليمان ابن جراد  البدول ، وقد أمر الرئيس برومج هذه السريّة بالانسحاب والاستقرار بمنطقه الأبيرق جنوبيّ البيّانة بجوار جبل القطّار في وادي العربة ، فواصلت القوّات اليهودية تقدّمها جنوباً بعد احتلال طلاح والبيّانة فتصدّى لهم الجنود الأردنيّون ، واشتبك الطرفان ، فانسحبت القوّات اليهودية شمالاً لتعود الى سيل طلاح في وادي العربة ، وكان هذا قد حدث عصر يوم 9 / 3 / 1949 م ،  ثمّ حضر قائد قوّة الجنوب الرئيس برومج الإنجليزي فأصدر أوامره للملازم سليمان ابن جراد البدول وجنود سريّته في بالإنسحاب إلى شرقيّ وادي العربة سيراً على الأقدام ، وأن يأخذ كلُّ فردٍ منهم سلاحه الشخصي وما يستطيع حمله ، في حين أنَّ السيّارات والآليات تمَّ سحبها فور وصوله إلى العقبة فغادرت القوّة الأردنية غربيّ وادي العربة ، واتّجهت شرقاً الى شرقيّ وادي العربة .
5ــ بتاريخ 10 / 3 / 1949 م تقدمت القوّة اليهودية عبر وادي العربة جنوباً وقد اصطدمت أوّل دبّابة يهودية بلغم أرضي بموقع السريّة الأردنية في الأبيرق وضعه أحد جنود السريّة المنسحبين فدمّرها تدميراً تامّاً ، وقتل جميع أفرادها ، فتريّثت القوّة اليهودية قليلاً ، ثمَّ أخذت تتقدّم بحذر ، وفي مساء يوم 10 / 3 / 1949 م وصلت القوّة اليهودية إلى ساحل المُرَشَّش ، وكان قد سبقها إلى هناك لواء النقب بقياده عوزي نركيس ، وكان قائده الأعلى هو إيغال آلون . 
خريطة حوض وادي اللِّحيانة 
نقلاً عن الموسوعة الفلسطينية

6ــ بتاريخ 11 / 3 / 1949 م تم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقيّة الهدنة بين الأردن واليهود ( أيّام لا تنسى ، ص 509 ، جندي مع العرب ، ص 129 ، تاريخ الأردن ، ص 530 ) ، وقد وقع الاتفاقية عن الجانب الأردني القائم مقام أحمد صدقي الجندي ووكيل القائد محمد المعايطة ، وعن الجانب اليهودي وكيل وزاره الخارجية روبين شيلواح والكولونيل موشيه دايان ( أيّام لا تنسى ، ص 530 ) وكان وزير الخارجية الإسرائيلي قد أعلن من راديو إسرائيل بأنَّ القوّات اليهودية قد احتلّت منطقه خليج العقبة ( جندي مع العرب ، ص 129 )
لقد لعب كلوب باشا قائد الجيش العربي دوراً قذراً بإصدار أوامر سحب القوّات الأردنية من جنوب النقب ، وعدم تعزيزها بقوّات إضافيّة ، وقد أوضح جانباً من هذا اللواء علي أبو نوّار في لقاءٍ له بالملك الراحل عبد الله بن الحسين رحمه الله تعالى بتاريخ 14 / 3 / 1949 م في بلده الشونة في الغور الأردني فقال : " ... في تلك اللحظة وصل كلوب باشا وبعد أداء التحية استأذن جلالته في حديث خاص ، فأخذه جلالته الى غرفة وأغلق بابها . بعد دقائق أخذت الأصوات تصلنا من الغرفة ، ولكنها أصوات غير مفهومة الكلمات ، وفجأة خرج جلالته ، وقد احتقن وجهه وكسته سحابة من الغضب والأسى ، وانفجر قائلاً :  قلت له قبل نزول اليهود إلى خليج العقبة أن يرسل قوّات كافية للدفاع عن النقب ، فارسل سريّة ، وقلّل من احتمال غزو اليهود للنقب . الآن ذكّرته بهذا القصور فيجيبني بأنَّ المصريّين أثناء المفاوضات في رودس حرّضوا اليهود على أخذ النقب حتى لا يأخذها الملك عبد الله ، قلت له : لا أصدّق ، حتى لو كان ما تقوله صحيحاً فإنَّ واجبك أن ترسل قوّة كافية ، ولكن من نقل إليك كلام المصريّين وهم في رودس وأنت في عمان ؟ هل تعرفون بماذا ردَّ عليَّ ؟  سألني الملعون : هل مضى وقتٌ طويلٌ على زيارتك لقبرص ؟ " ( حين تلاشت العرب ، ص 91 ) .
ومن المهازل أنَّ كلوب كان مساء 10 / 3 / 1949 م بعد احتلال المُرَشَّش يشاهد تمثيلية قام بتمثيلها فريق من هواة التمثيل من الجالية البريطانية في عمان ؟؟؟!!!
ولم ينتهي دوره في الأردن إلّا عندما قام جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله تعالى بطرده من الأردن يوم الخميس الموافق 1 / 3 / 1956 م ، فتمَّ بذلك تعريب الجيش العربي ، وذلك بعد سبع سنوات إلّا تسعة أيّام من احتلال المُرَشَّش الشقَّ الغربيّ للعقبة .
هذا ما أحببت بيانا وتصحيحه حاول احتلال المُرَشَّش ، ولكم فائق الاحترام والتقدير ، والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
انتهى المنشور في جريدة العرب اليوم .

قلت : كان كلوب يدير دفّة الجيش وفقاً لتعليمات بريطانيا وأهدافها ، لذلك حينما وبّخه الملك عبد الله بخصوص ما جرى في النقب ردّ بكلّ صلافة : ( هل مضى وقتٌ طويلٌ على زيارتك لقبرص ؟ ) ، وهو بهذا يحذّره بمصيرٍ كمصير أبيه ذلك أنَّ بريطانيا هي صاحبة الأمر والنهي في المنطقة برمّتها .

وتعقيباً ما ذكرته أعلاه أضاف المقدّم المتقاعد محمد نعيم سعد إضافة نفيسة جدّاً تكشف مؤامرة تسليم وادي العربة والمُرَشّش لليهود فقال : " السلام عليكم ورحمه الله وبركاته وبعد :
لفت نظري ما جاء في مقال السيد راشد بن حمدان الأحيوي في صحيفتكم الغراء يوم 3 / 10 / 1999 عن احتلال المرشرش .
أرجو أن أضيف إلى ما ورد في مقاله ما يلي :
شُكلت قوه في نهاية عام 1948 بقياده الرئيس البريطاني برومج في وادي عربة لحماية العقبة والمرشرش وتألّفت هذه القوّة من سريّتي مشاة إضافة إلى قسم مدافع ( 6 رطل ) ومدرّعة تحمل مدفعاً ( 2 رطل ) . سريّة بقيادة الملازم سليمان جراد وسريّة بقيادة الملازم محمد نعيم ، وتمَّ توزيع السريّتين غرب مخفر غرندل وعلى تلّة بوسط الوادي محاذية للجبال الغربية من الوادي ، وتمّ تحصين المنطقة بالألغام والأسلاك الشائكة والخنادق ، وبعد الانتهاء من التحصينات أخبرنا قائد القوه الرئيس برومج أنَّ اليهود سيتقدمون لاحتلال المرشرش علي محورين أحدهما : البحر الميت ــ وادي عربه ، والثاني : معبر النقب المصري من سيناء ، وطلب مني الحركة فوراً الى معبر النقب بأمر من قائد الجيش كلوب باشا . تحرّكت وسريّتي إلى المنطقة عبر طريق ضيق وعرة لا تتّسع لمرور أكثر من آلية واحدة في أغلب الطريق بين الجبال العالية ، ووصلت الحدود المصرية الفلسطينية ، والمثبت عليها لوحة كبيرة كُتب عليها الحدود المصرية الفلسطينية ، وإلى الغرب من الحدود مخفر هجّانة مصري كان خالياً ، وباشرنا بإجراء التحصينات : حفر خنادق ووضع حواجز من الحجارة على الطريق التي لا يمكن أن تسير عليها أكثر من آلية واحدة وبعد مدّة قصيرة زارنا قائد الجيش كلوب باشا ومعه مرافقه الملازم غازي الحربي ، وسألني قائد الجيش عن خطه الدفاع عن المنطقة . طلبت منه الصعود على جبلٍ قريبٍ ومشرفٍ على صحراء سيناء ، وبعد أن صعدنا الجبل شرحت له الخطة ، وقلت له : كما ترى إنَّ اجتياز هذا الموقع سيكلّف العدو خسائر محقّقة وهزيمة ، ونحن إن شاء الله قادرون على صدِّ هجوم العدو . فتبسّم كلوب باشا ، وقال : ( زين ) ، وبعدها سألني عن التمويل من ماء وطعام ووقود وذخيرة ، فأخبرته : كلها متوفّرة وتكفي لأسبوعين ، وفي اليوم التالي حضر الرئيس برومج بعد مغادرة كلوب باشا ، وطلب مني أن أذهب بدوري في إجازة وأسلّم قيادة السريّة إلى النائب محمد علي الزعبي من قرية نحلة ، وأنّه سيشرف على السريّة في غيابي في الإجازة ، وطلب مني أن أعطيه عنواني كاملاً وواضحاً ، وقد تمَّ ذلك بالفعل ، وذهبت بالإجازة ، وبعد مدّة استلمت برقيّة من برومج يطلب مني أن استقبل سريّتي في محطّة قطار عمان . استوضحت من النائب محمد علي قال : أمرنا بالإنسحاب سيراً على الأقدام للعقبة وتحميل السيّارة ما تستطيع حمله والمدرّعة ، والباقي أتلفوه .
ولكم فائق الاحترام والتقدير


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق