تهتم هذه المدونة وتعنى بتاريخ وتراث وأعلام العقبة وجوارها

الأحد، 1 يوليو 2018

أقدم نصّ عن مدينة أيلة ( العقبة ) وأسقفها في بردية من العهد البيزنطي قبل الإسلام



كانت مدينة أيلة ( العقبة ) ذات طابع ديني فقد كان أهلها متدينون بطبعهم ، فحينما أنزل الله تعالى التوراة على موسى وأصبحت الكتاب المقدّس لبني إسرائيل شاع الإيمان إلى أن استوطن أيلة قومٌ من بني إسرائيل فأصبحت المدينة تدين بدين موسى عليه السلام ، ولما ظهر المسيح عليه السلام دان أهل أيلة بدين المسيح ، وما أن ظهر الإسلام حتى استوطن المسلمون مدينة أيلة ، وكان أهلها من النصارى واليهود ، ثمّ آل الأمر إلى أن أصبحت مدينة أيلة مدينة إسلامية .
كان يحكم أيلة ملكٌ يدير شؤونها وشؤون ما جاورها ، وكان الملك أسقفاً ، وقد ذكرته المصادر الإسلامية بملك أيلة وأسقف أيلة ، واسمه يوحنّا بن رؤبة . قال البخاري : " َقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ الساعدي رضي الله عنه : " أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ " أ . هــ ، وقال اليعقوبي في ذكر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : " أتاه يحنه بن رؤبة أسقف أيلة ، فصالحه وأعطاه الجزية ، و كتب له كتابا " أ . هــ ، وقال المسعودي : " جاءه وهو بتبوك أسقف أيلة يحنة بن رؤبة فصالحه على أن على كل حالم بها ديناراً في السنة " أ . هــ
ومن أقدم أساقفة أيلة العرب : غوث الذي أمضى أعمال الجمع الخلقيدوني سنة 451 م .



ومن أقدم النصوص التي ذكرت مدينة أيلة ما جاء في بردية تعود إلى العهد البيزنطي والنصُّ هو كتاب أرسله أسقف مدينة أيلة موسى بن سرجيوس إلى فكتور بن سرجيوس ومع الكتاب مرفقا تخصّ كنيستي القدّيس سرجيوس في نصتان وكنيسة القدّيس سرجيوس في الخلصة ، وهذا نصه :
من موسى أسقف أيلة بفضل الله ، إلى فكتور بن سرجيوس . أبعث إليك المرفقات .... وأنت أخذتها من البدوي … لتسلمها إلى كنيسة القديس سرجيوس بنصتان وكنيسة القديس سرجيوس في الخلصة . وإنك لتسدي خدمة كبيرة لي بعملك هذا ... ولقد أثبت توقيعي أسفل هذا الأمر بتوقيعي موسى بن سرجيوس، الأسقف "  .
نصتان هي العوجا التي تُعرف بعوجا حفير ، وتقع العوجا على نحو 77 كم جنوب غرب بئر السبع في جنوبيّ فلسطين ، وتقع على نحو 3 كم عن الحدود مع سيناء ، وتبعد عن العقبة نحو 175 كم إلى الشمال الغربي .
وفي تعليقه على هذا الكتاب قال الأستاذ الدكتور مصطفى عبد الحميد العبادي : " تقع مدينة أيلة على مسافة 110 أميال جنوبا من نصتان ، وتقع مثلها في ذات الإقليم الإداري وهو المعروف باسم فلسطين الثالثة ( Palaestina Tertia ) . والخطاب ــ کما هو واضح ــ لا يفيد أيّة معلومات محدّدة ، ومع ذلك لا يخلو من دلالة . فأيلة مدينة لها أهميّتها التاريخيّة ، فهي الميناء الرئيس للدولة البيزنطية على البحر الأحمر ، كما كانت لها أهميّتها التجارية بحكم موقعها على طريق القوافل من الجزيرة العربية جنوبا إلى نصتان وغزّة شمالاً . ورغم أنها لم تكن المركز الإداري لإقليم فلسطين الثالثة ( Palaestina Tertia ) ، الذي وجد في مدينة الخلصة ( 25 ميلاً تقريباً شمال نصتان ) ، إلا أنَّ أيلة كانت من غير شكٍّ أكثر مدن الإقليم أهميّة من الناحية الدينيّة ، ولعلها كانت أكثر سكاناً أيضاً . ويتّضح ذلك من لقب رئيسها الديني وهو أسقف ( Episcopus ) ، وهو لقبٌ خاصٌّ برئيس الكنيسة الرئيسة في كلِّ إقليم ، فهو الرئيس الديني ــ حسب التنظيم الكنسي النصراني ــ لإقليم فلسطين الثالثة . وليس أدلُّ على أهميّته الدينيّة من أنَّ أسقفها شهد مجمع نيقيا المعروف ، الذي دعا إليه الإمبراطور قسطنطين سنة 325 م لمناقشة قضايا النصرانيّة الكبرى . ولذلك ليس غريباً أن نجد في هذه البردية من مطلع القرن السابع الميلادي ، أسقف أيلة يتحدث بلهجة الرئيس إلى التابع ويصدر أمره ... لكلٍّ من كنيستي نصتان والخلصة ذاتها " أ . هــ
 
قلت : لا أدري إن كان موسى بن سرجيوس هو أخو فكتور بن سرجيوس أم لا ! ويظهر أنّه اخاه فتطابق الاسمين ليس مصادفة ، والله تعالى أعلم .
ويفيدنا هذا النصّ عن التواصل بين مدينة أيلة ومدينتي نصتان ( العوجا ) والخلصة في جنوبي فلسطين وعن قوةّ العلاقة الدينية بينهما وأنّ هناك طرق مواصلات تربط بين هذه المدن ، كما تكشف عن الرتبة الدينية لرجل الدين في أيلة وهي رتبة عالية في الترتيب الكنسي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق