هذه مقالة قديمة جدّاً عن بلدة العقبة تعود إلى عام 1906 م أي أنّه مضى على نشرها 112 عاماً ، وهي تصوّر وضع وحالة العقبة في مطلع القرن العشرين حينما كانت جزءاً من الدولة العليّة العثمانية أعيد نشرها لما تضمّنته من معلومات قيّمة عن العقبة حينذاك وفيما يلي نصّها بحرفه :
في الأسبوع الأول من الشهر الماضي والحرب على قاب قوسين أو أدني وموقع الخلاف الحد الفاصل بين مصر والشام . لكن انفرجت الأزمة حالاً كما اشتدّت حالاً ، وقد وفتها الصحف اليومية حقّها من التفصيل فنقتصر على ذكر جغرافية البلاد التي عليها الخلاف وتاريخها الغابر ووصفها الحاضر لعلّ في ذلك فائدة للقراء .
يتفرّع البحر الأحمر من طرفه الشمالي إلى فرعين أو لسانين أحدهما غربي ومدينة السويس في ظرفه ويُسمّي خليج السويس ، والآخر شرقي وقلعة العقبة في طرفه ويُسمّي خليج العقبة والأرض بينهما صخور وصحاري ، وهي الآن قاحلة قليلة السكان ، ولكنها لم تكن كذلك في غابر الأزمان . وطور سيناء في منتصفها ممّا يلي رأس المثلث الذي بين اللسانين ، وعلاقته بتاريخ اليهود والنصارى أشهر من أن تذكر . وقد ذكرنا طرفا من تاريخها منذ عشر سنوات في كلامنا على ( أيلة والبتراء والانباط ) وها بعض ما ذكرناه هناك :
يتفرّع البحر الأحمر من طرفه الشمالي إلى فرعين أو لسانين أحدهما غربي ومدينة السويس في ظرفه ويُسمّي خليج السويس ، والآخر شرقي وقلعة العقبة في طرفه ويُسمّي خليج العقبة والأرض بينهما صخور وصحاري ، وهي الآن قاحلة قليلة السكان ، ولكنها لم تكن كذلك في غابر الأزمان . وطور سيناء في منتصفها ممّا يلي رأس المثلث الذي بين اللسانين ، وعلاقته بتاريخ اليهود والنصارى أشهر من أن تذكر . وقد ذكرنا طرفا من تاريخها منذ عشر سنوات في كلامنا على ( أيلة والبتراء والانباط ) وها بعض ما ذكرناه هناك :
قال ابن خلدون في الجزء الثاني من تاريخه إنّ خالد بن الوليد قال لعبد المسيح أخبرني ما رأيت من الأيام ؟ قال : رأيت المرأة من الحيرة تضع مكتلها على رأسها ، ثم تخرج حتى تأتي الشام في قرى متصلة وبساتين ملتفة ، وقد أصبحت اليوم خرابا . ثم تعزّى ابن خلدون عن ذلك بقوله إنَّ الله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين .
اذا خرج السائح من مصر قاصداً الشام برّاً بطريق العقبة وجبال الشراة فأول مكان يبلغه من حدود الشام العقبة عند طرف اللسان الشرقي من لساني البحر الأحمر .
هناك كانت مدينة أيلة وعلى مقربة منها كان مرفأ سفن سليمان الحكيم التي كانت تجلب له البضائع من الهند وشرقي افريقية ذهباً وصندلاً وحجارة كريمة . أمتلك بنو إسرائيل تلك المدينة في أيام داود وتعاقب عليها ملوكهم وملوك آرام ( الشام ) إلى أن تغلّب عليها رصين ملك آرام قبل المسيح بنحو سبع مئة وخمسين سنة ، و بقيت فرضة للسفن الذاهبة إلى بلاد الهند والاتية منها . وتنصّر أهلها في بدء النصرانية ، وصارت كرسي أسقف ، وبقيت كذلك إلى أن غزا النبي محمد غزوته الأخيرة الى تبوك ، فاتاه يوحنا بن رؤية صاحب أيلة فصالحه على الجزية ، وكتب له النبي كتاباً ، فبلغت جزيتهم ثلاث مائة دينار ، ثم زاد فيها الخلفاء من بني أمية فلمّا كان عمر بن عبد العزيز لم يأخذ منهم غير ثلاث مائة . ومن ثمّ غاب ذكر هذه المدينة فلم تعد تذكر في كتب التاريخ الا نادراً . ويقال إن الصليبيين اخذوها سنة 1116 للمسبح ، واستردّها صلاح الدين الأيوبي منهم سنة 1167 . ثمّ اخذها رينلد شاتيلون سنة 1182 . وذكرها أبو الفدا بعد ذلك فقال : " والقلزم وأيلة على ذراعين او لسانين من البحر قد طعنا في البرّ الشمالي وصار بين اللسانين المذكورين للبر دخلة الى الجنوب في البحر ، وفي تلك الدخلة الطور ، وعلى طرف اللسان الشرقي أيلة وعلى طرف اللسان الغربي القلزم " . ثم قال : " وأيلة كانت مدينة صغيرة ، وكان بها زرع بسير ، وهي مدينة اليهود الذين جعل منهم القردة والخنازير ، وهي في زماننا برج و به والٍ من مصر ، وليس بها مزدرع ، وكان لها قليعة في البحر فأبطلت ، ونقل الوالي إلى البرج في الساحل " .
ولم يبق الآن من هذه المدينة الا الأنقاض ، وليس العبرة بها بل بمرفئها الذي كان فرضة الشام إلى الهند وجنوبي افريقية ، ومقرّ تجارة واسعة النطاق كثيرة المكاسب جعلت الفضة والذهب في أورشلیم مثل الحجارة كثرة ، فانقطعت التجارة وخربت المدينة ، وردم المرفأ ، وليس في بلاد الشرق كلها من يسأل عن سبب ذلك
، والتفتنا الآن إلى ما قاله ياقوت الحموي عن أيلة في معجمه الجغرافي فاذا خلاصته : أن أيلة بالفتح مدينة على ساحل بحر القلزم ، وقيل في آخر الحجاز وأول الشام ... وقدم يوحنة بن رؤبة على النبي من أيلة وهو في تبوك فصالحه على الجزية ، وقرّر على كلّ حالم بأرضه في السنة ديناراً فبلغ ذلك ثلاثمائة دينار ، واشترط عليهم قرى من مرّ بهم من المسلمين وكتب لهم كتاباً ان يُحفظوا ويُمنعوا ، فكان عمر بن عبد العزيز لا يزداد على اهل أيلة عن الثلاثمائة دينار شيئاً . وقد قال أحيحة بن الجلاح يرثي ابنه :
فما هبرزيٌّ من دنانير أيــــلةٍ ..... بأيدي الوشاة ناصعٌ يتأكّلُ
بأحسن منه يوم أصبح غادياً ..... ونفّسني فيه الحمام المعجّلُ
هناك كانت مدينة أيلة وعلى مقربة منها كان مرفأ سفن سليمان الحكيم التي كانت تجلب له البضائع من الهند وشرقي افريقية ذهباً وصندلاً وحجارة كريمة . أمتلك بنو إسرائيل تلك المدينة في أيام داود وتعاقب عليها ملوكهم وملوك آرام ( الشام ) إلى أن تغلّب عليها رصين ملك آرام قبل المسيح بنحو سبع مئة وخمسين سنة ، و بقيت فرضة للسفن الذاهبة إلى بلاد الهند والاتية منها . وتنصّر أهلها في بدء النصرانية ، وصارت كرسي أسقف ، وبقيت كذلك إلى أن غزا النبي محمد غزوته الأخيرة الى تبوك ، فاتاه يوحنا بن رؤية صاحب أيلة فصالحه على الجزية ، وكتب له النبي كتاباً ، فبلغت جزيتهم ثلاث مائة دينار ، ثم زاد فيها الخلفاء من بني أمية فلمّا كان عمر بن عبد العزيز لم يأخذ منهم غير ثلاث مائة . ومن ثمّ غاب ذكر هذه المدينة فلم تعد تذكر في كتب التاريخ الا نادراً . ويقال إن الصليبيين اخذوها سنة 1116 للمسبح ، واستردّها صلاح الدين الأيوبي منهم سنة 1167 . ثمّ اخذها رينلد شاتيلون سنة 1182 . وذكرها أبو الفدا بعد ذلك فقال : " والقلزم وأيلة على ذراعين او لسانين من البحر قد طعنا في البرّ الشمالي وصار بين اللسانين المذكورين للبر دخلة الى الجنوب في البحر ، وفي تلك الدخلة الطور ، وعلى طرف اللسان الشرقي أيلة وعلى طرف اللسان الغربي القلزم " . ثم قال : " وأيلة كانت مدينة صغيرة ، وكان بها زرع بسير ، وهي مدينة اليهود الذين جعل منهم القردة والخنازير ، وهي في زماننا برج و به والٍ من مصر ، وليس بها مزدرع ، وكان لها قليعة في البحر فأبطلت ، ونقل الوالي إلى البرج في الساحل " .
ولم يبق الآن من هذه المدينة الا الأنقاض ، وليس العبرة بها بل بمرفئها الذي كان فرضة الشام إلى الهند وجنوبي افريقية ، ومقرّ تجارة واسعة النطاق كثيرة المكاسب جعلت الفضة والذهب في أورشلیم مثل الحجارة كثرة ، فانقطعت التجارة وخربت المدينة ، وردم المرفأ ، وليس في بلاد الشرق كلها من يسأل عن سبب ذلك
، والتفتنا الآن إلى ما قاله ياقوت الحموي عن أيلة في معجمه الجغرافي فاذا خلاصته : أن أيلة بالفتح مدينة على ساحل بحر القلزم ، وقيل في آخر الحجاز وأول الشام ... وقدم يوحنة بن رؤبة على النبي من أيلة وهو في تبوك فصالحه على الجزية ، وقرّر على كلّ حالم بأرضه في السنة ديناراً فبلغ ذلك ثلاثمائة دينار ، واشترط عليهم قرى من مرّ بهم من المسلمين وكتب لهم كتاباً ان يُحفظوا ويُمنعوا ، فكان عمر بن عبد العزيز لا يزداد على اهل أيلة عن الثلاثمائة دينار شيئاً . وقد قال أحيحة بن الجلاح يرثي ابنه :
فما هبرزيٌّ من دنانير أيــــلةٍ ..... بأيدي الوشاة ناصعٌ يتأكّلُ
بأحسن منه يوم أصبح غادياً ..... ونفّسني فيه الحمام المعجّلُ
وقال محمد بن الحسن المهلبي : مدينة أيلة جليلة على لسان البحر الملح ، وبها مجتمع حج الفسطاط والشام . وخراج أيلة ووجوه الجبايات بها نحو ثلاثة آلاف دينار وينسب اليها جماعة من
الرواة منهم يونس بن يزيد الأيلي صاحب الزهري توفي بصعيد مصر سنة 152 ، وإسحق بن إسمعيل بن يعقوب الأيلي مات بأيلة سنة 258 ، وحسّان بن ابان بن عثمان الأيلي ولي قضاء دمياط وتوفي بها سنة 322 .
ويؤخذ من ذلك كله أن مدينة أيلة التي قامت العقبة مقامها كانت فرضة بحرية عامرة منذ ثلاثة آلاف سنة ، وعظم شأنها في زمن الملك سليمان الحكيم ، ثمّ ضعفت رويداً رويداً حتي لم يبق فيها في بدء تاريخ الإسلام سوى ثلاثمائة بالغ أو ثلاثة آلاف ، وكان اكثر أهلها حينئذ من اليهود فادعوا أنَّ معهم كتاباً من النبي لكي لا يُنالوا بمكروه . ثمّ اشتهرت في الحروب الصليبية ، وضعف شأنها بعد ذلك حتى لم يبق بها في زمن أبي النداء سوى برج به والٍ من مصر ، لكنها عادت فازدهت بعد ذلك ، وذكرت في القرن الخامس عشر كمدينة من المدائن الكبيرة ، وعادت فانحطت ، وليس بها الآن الا قلعة حصينة لها أربعة أبراج على زواياها الأربع
، وهي في يد الحكومة العثمانية . ويبتدئ الحدّ المتفق عليه بين مصر والأملاك العثمانية على ثلاثة أميال غربيها ، ويمتد من هناك شمالاً بغرب إلى أن يصل إلى عمودین نُصبا في عهد إسماعيل باشا قرب رفح إلى الشمال الشرقي من العريش كما ترى في الخريطة المقابلة .
أما برّية سيناء أو شبه جزيرة سيناء فأكثرها قفار قاحلة ، وبينها أودية خصيبة بنبت فيها النخل والطرفاء وكثير من الاعشاب والانجم التي ترعاها الجمال ، ويقع فيها مطر غزير تترع به الأودية ، وسكانها نحو ثلاثين ألفاً من البدو . فإذا وجّهت الحكومة المصرية عنايتها إلى تعميرها كما وجّهتها إلى تعمير السودان لم يتعذّر عليها أن تبني سدوداً لحفظ مياه الأمطار وإرواء الأودية بها ، فيكثر فيها الزرع والغرس ويتلطف هواؤها وتغزر أمطارها ، وتصير مصيفاً لأهالي هذا القطر ، وربما عاد الناس إلى استخراج الذهب والنحاس منها كما كانوا يستخرجونهما قديماً .
هذا من حيث الطرف الجنوبي الشرقي من طرفي الحدّ الفاصل بين مصر والشام . أمّا الطرف الشمالي الغربي فقال فيه بدكر في دليله لسورية المطبوع سنة ۱۸۹۸ ما ترجمته : " من غزة الى العريش 13 ساعة . ففي ساعة وخمس دقائق تصل إلى تلّ العجول قرب وادي غزة الذي يبتدئ من عند حبرون ويمرّ بقرب بير سبع . وعلى ساعة إلى الجنوب الشرقي من تلّ العجول بقرب تل الجمعة خرائب أم جرار ، وبعد ساعة وربع دير البلح ( وهو دارم القديمة وهناك جامع الخضر قائم على خرائب كنيسة قديمة ) ، ثم تصل بعد ساعة و 37 دقيقة إلى خان بونس ، وفيه جامع حسن البناء من عهد السلطان برقوق ، وإلى الجنوب من خان يونس حدّ الديار المصرية . وبعد ساعة و 17 دقيقة تصل إلى تلّ رفح وبعد ساعتين ونصف إلى الشيخ زواد وبعده الى خربة البرج ، ثم إلى وادي العريش وبعد 20 دقيقة تصل القلعة والكورنتينا ، والعريش مدينة رينوكولورا القديمة ، وقرب الصهريج الذي في ساحة قلعتها ناووس مصري قديم عليه كتابات مصرية . ويقال إنّ ملكاً حبشياً من ملوك مصر بناها منفى الجناة ، وكانت كرسي أسقفية في أوّل عهد النصرانية ، ومات فيها بالدوين الأوّل ملك أورشليم سنة 1118 ولا يزال فيها حجر يقال له حجر بردويل أي حجر بلدوين . وأخذها نبوليون في 18 فبراير سنة 1799 ، وفيها عقدت معاهدة العريش في 24 يناير سنة ۱۸۰۰ التي بموجبها خرجت الجنود الفرنسوية من القطر المصري " .
وقال أبو الفداء : " وممّا هو داخل في حدّ مصر الجفار ، وهو المعروف برمل مصر ، وبه منازل للسفارة أشهرها وأكبرها قطية ، ثم الورّادة وبهما سكّان ونخيل ، والذي يحيط بالجفار بحر الروم من رفح إلى بحيرة تنيس ، ومن بحيرة تنيس إلى القلزم ، ومن القلزم إلى تيه بني إسرائيل ، ومن تيه بني إسرائيل الى بحر الروم عند رفح من حيث ابتدأنا ، وأما تيه بني إسرائيل ( أي شبه جزيرة سينا ) فيقال إنّ طوله أربعون فرسخاً ( 120 میلاً ) ، وعرضه قريب من طوله ، وأرضه صلبة ، وفيها رمال وبها عيون رديّة الماء ، ويحيط به الجفار وحدود القلزم وحدود بیت المقدس . ومن الأماكن المشهورة بالجفار رفح ، وهي منزلة في طرف الجفار من جهة الشام ، وعلى مرحلة من غزة . والعريش وهي الآن منزلة على شط بحر الروم ، وبها آثار قديمة من الرخام وغيره ، وهي في الغرب والجنوب من رفح على مسيرة بوم .
قال ابن مطرف : وسُمّي الجفار لأن الدواب تجفر فيه أي تهلك من السير . قال ابن حوقل : " إن الجفار في أيام فرعون كانت معمورة بالقرى والمياه وعنها قال الله ( وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ) ، ولذلك سُمّي العريش عریشاً " .
وكانت رفح مدينة عامرة على ما قاله المهلبي : " فيها سوق وجامع ومنبر وفنادق ولها والٍ على ثلاثة أميال من رفح من جنب غزة شجر جمّيز مصطف من جانبي الطريق عن اليمين والشمال نحو الف شجرة متصلة أغصان بعضها ببعض مسيرة نحو ميلين وهناك منقطع رمل الجفار " .
ويؤخذ من ذلك كله أن مدينة أيلة التي قامت العقبة مقامها كانت فرضة بحرية عامرة منذ ثلاثة آلاف سنة ، وعظم شأنها في زمن الملك سليمان الحكيم ، ثمّ ضعفت رويداً رويداً حتي لم يبق فيها في بدء تاريخ الإسلام سوى ثلاثمائة بالغ أو ثلاثة آلاف ، وكان اكثر أهلها حينئذ من اليهود فادعوا أنَّ معهم كتاباً من النبي لكي لا يُنالوا بمكروه . ثمّ اشتهرت في الحروب الصليبية ، وضعف شأنها بعد ذلك حتى لم يبق بها في زمن أبي النداء سوى برج به والٍ من مصر ، لكنها عادت فازدهت بعد ذلك ، وذكرت في القرن الخامس عشر كمدينة من المدائن الكبيرة ، وعادت فانحطت ، وليس بها الآن الا قلعة حصينة لها أربعة أبراج على زواياها الأربع
، وهي في يد الحكومة العثمانية . ويبتدئ الحدّ المتفق عليه بين مصر والأملاك العثمانية على ثلاثة أميال غربيها ، ويمتد من هناك شمالاً بغرب إلى أن يصل إلى عمودین نُصبا في عهد إسماعيل باشا قرب رفح إلى الشمال الشرقي من العريش كما ترى في الخريطة المقابلة .
أما برّية سيناء أو شبه جزيرة سيناء فأكثرها قفار قاحلة ، وبينها أودية خصيبة بنبت فيها النخل والطرفاء وكثير من الاعشاب والانجم التي ترعاها الجمال ، ويقع فيها مطر غزير تترع به الأودية ، وسكانها نحو ثلاثين ألفاً من البدو . فإذا وجّهت الحكومة المصرية عنايتها إلى تعميرها كما وجّهتها إلى تعمير السودان لم يتعذّر عليها أن تبني سدوداً لحفظ مياه الأمطار وإرواء الأودية بها ، فيكثر فيها الزرع والغرس ويتلطف هواؤها وتغزر أمطارها ، وتصير مصيفاً لأهالي هذا القطر ، وربما عاد الناس إلى استخراج الذهب والنحاس منها كما كانوا يستخرجونهما قديماً .
هذا من حيث الطرف الجنوبي الشرقي من طرفي الحدّ الفاصل بين مصر والشام . أمّا الطرف الشمالي الغربي فقال فيه بدكر في دليله لسورية المطبوع سنة ۱۸۹۸ ما ترجمته : " من غزة الى العريش 13 ساعة . ففي ساعة وخمس دقائق تصل إلى تلّ العجول قرب وادي غزة الذي يبتدئ من عند حبرون ويمرّ بقرب بير سبع . وعلى ساعة إلى الجنوب الشرقي من تلّ العجول بقرب تل الجمعة خرائب أم جرار ، وبعد ساعة وربع دير البلح ( وهو دارم القديمة وهناك جامع الخضر قائم على خرائب كنيسة قديمة ) ، ثم تصل بعد ساعة و 37 دقيقة إلى خان بونس ، وفيه جامع حسن البناء من عهد السلطان برقوق ، وإلى الجنوب من خان يونس حدّ الديار المصرية . وبعد ساعة و 17 دقيقة تصل إلى تلّ رفح وبعد ساعتين ونصف إلى الشيخ زواد وبعده الى خربة البرج ، ثم إلى وادي العريش وبعد 20 دقيقة تصل القلعة والكورنتينا ، والعريش مدينة رينوكولورا القديمة ، وقرب الصهريج الذي في ساحة قلعتها ناووس مصري قديم عليه كتابات مصرية . ويقال إنّ ملكاً حبشياً من ملوك مصر بناها منفى الجناة ، وكانت كرسي أسقفية في أوّل عهد النصرانية ، ومات فيها بالدوين الأوّل ملك أورشليم سنة 1118 ولا يزال فيها حجر يقال له حجر بردويل أي حجر بلدوين . وأخذها نبوليون في 18 فبراير سنة 1799 ، وفيها عقدت معاهدة العريش في 24 يناير سنة ۱۸۰۰ التي بموجبها خرجت الجنود الفرنسوية من القطر المصري " .
وقال أبو الفداء : " وممّا هو داخل في حدّ مصر الجفار ، وهو المعروف برمل مصر ، وبه منازل للسفارة أشهرها وأكبرها قطية ، ثم الورّادة وبهما سكّان ونخيل ، والذي يحيط بالجفار بحر الروم من رفح إلى بحيرة تنيس ، ومن بحيرة تنيس إلى القلزم ، ومن القلزم إلى تيه بني إسرائيل ، ومن تيه بني إسرائيل الى بحر الروم عند رفح من حيث ابتدأنا ، وأما تيه بني إسرائيل ( أي شبه جزيرة سينا ) فيقال إنّ طوله أربعون فرسخاً ( 120 میلاً ) ، وعرضه قريب من طوله ، وأرضه صلبة ، وفيها رمال وبها عيون رديّة الماء ، ويحيط به الجفار وحدود القلزم وحدود بیت المقدس . ومن الأماكن المشهورة بالجفار رفح ، وهي منزلة في طرف الجفار من جهة الشام ، وعلى مرحلة من غزة . والعريش وهي الآن منزلة على شط بحر الروم ، وبها آثار قديمة من الرخام وغيره ، وهي في الغرب والجنوب من رفح على مسيرة بوم .
قال ابن مطرف : وسُمّي الجفار لأن الدواب تجفر فيه أي تهلك من السير . قال ابن حوقل : " إن الجفار في أيام فرعون كانت معمورة بالقرى والمياه وعنها قال الله ( وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ) ، ولذلك سُمّي العريش عریشاً " .
وكانت رفح مدينة عامرة على ما قاله المهلبي : " فيها سوق وجامع ومنبر وفنادق ولها والٍ على ثلاثة أميال من رفح من جنب غزة شجر جمّيز مصطف من جانبي الطريق عن اليمين والشمال نحو الف شجرة متصلة أغصان بعضها ببعض مسيرة نحو ميلين وهناك منقطع رمل الجفار " .
هذا ويبعد عن الاحتمال أن تبقى الحدود بين مصر والشام قفراً بلقعاً كما هي الآن فإنَّ ثلاثين سنة كفت لإعادة العمارة إلى القطر المصري فتضاعف عدد سكانه وفاضت الخيرات عليهم . وثلاثون سنة تكفي لإعادة العمارة إلى الشام إذا تولاه أناس يحسنون سياسته ويصلحون أموره فيتضاعف عدد سكانه وتفيض الخيرات عليهم وحينئذ تتصل مصر بالشام بسكك الحديد ويصير كل قطر منهما متمّماً للقطر الآخر .
قلت : زاويد صوابها زويّد ، وبلدة الشيخ زويّد من مدن شمال شرق سيناء ، ودارم صوابها الداروم التي تُعرف اليوم بدير البلح في بلاد غزّة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق