تهتم هذه المدونة وتعنى بتاريخ وتراث وأعلام العقبة وجوارها

الأحد، 3 يونيو 2018

من أخبار أيلة ( العقبة ) في القرن السادس للهجرة عند أبي شامة المقدسي ( 1 )


يُعتبر أبو شامة المقدسي ، وهو شهاب الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان ، الدمشقي الشافعي الفقيه المحدّث المؤرخ ( 596 ــ 665 هــ 1202 ــ 1267 م ) من أهمّ الذين أرّخوا للدولة الأيّوبيّة لا سيّما في عهد السلطانين نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيّوبي وذلك في كتابه الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية ، وقد أورد أبو شامة خبر تحرير السلطان صلاح الدين الأيّوبي لمدينة أيلة وما حولها من الصليبيّين مرّتين خلال 12 عاماً ، وكان الأولى حينما حرّرها من مملكة القدس الصليبيّة عام 566 هــ والثانية حينما حرّرها من إمارة الكرك الصليبية ، وفيما يلي ما دوّنه أبو شامة من أخبار أيلة ( العقبة ) :

1ــ تحرير أيلة عام 566 هــ .

قال أبو شامة : " ثمَّ وَصله الْخَبَر بِخُرُوج قافلة من دمشق فِيهَا أَهله فأشفق عَلَيْهَا وَأحب أَن يجْتَمع بهَا شَمله فَخرج فِي النّصْف من ربيع الأول وَكَانَت بأيلة قلعة فِي الْبَحْر قد حصنها أهل الْكفْر فعمر لَهَا مراكب وَحملهَا إِلَى ساحلها على الْجمال وركبها الصنّاع هُنَاكَ وشحنها بِالرِّجَالِ وَفتح القلعة فِي الْعشْر الأول من ربيع الآخر واستحلها واستباح بِالْقَتْلِ والأسر أَهلهَا وملأها بِالْعدَدِ وَالْعدَد وحصَّنها بِأَهْل الجلاد وَالْجَلد وَاجْتمعَ بأَهْله عَلَيْهَا وَسَار بهم على سمت الْقَاهِرَة ودخلوا فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من جمادي الأولى إِلَيْهَا " أ . هــ

قلت : كان الصليبيّون خلال وجودهم في أيلة بما وفّروه من قوّة هناك قد عطّلوا حركة القوافل بين الشام والديار المصرية وكذلك بين الحجاز والديار المصرية سواء أكانت قوافل للحجيج أم قوافل للتجارة أو غيرها ، وحينما علم السلطان بخروج القافلة التي كان فيها أهله من الشام قادمة إليه في مصر خشي عليهم طائلة الفرنجة في أيلة ، وكان الفرنجة قد حصّنوا القلعة التي أنشأوها في بحر أيلة وذلك في جزيرة قريّة التي عُرفت بجزيرة فرعون وكانت تشرف وتتحكّم بطرق المنطقة إلى جانب القلعة الأخرى على الساحل لهذا سارع بإعداد مراكب بحريّة ونقلها على الإبل إلى ساحل أيلة وسار بقّواته مصطحبا الصنّاع فاجتاح أيلة ، وقام الصنّاع بتركيب المراكب وسارت القوّة البحرية إلى قلعة الجزيرة وتمكّنت من تحريرها من الفرنجة ، وكان هذا الفتح في العشر الأولى من شهر ربيع الثاني عام 566 هــ وقد وقع الفرنجة هناك بين القتل والأسر ، وجعل السلطان صلاح الدين قوّة ذات عددٍ وعُدّة حصّن بها القلعتين لتكونا من معاقل الجهاد ، وخلال انتصاره الكبير وصلت القافلة القادمة من الشام وفيها أهله فسار بهم عائداً إلى القاهرة فوصلها في 26 / جمادى الأولى / 566 هــ وبهذا فإنّ السلطان مكث في أيلة نحو شهر ونصف الشهر منذ قومه إليها إلى أن غادرها عائداً إلى القاهرة ، وكان تحرير أيلة ضربةً قاصمةً لمملكة القدس الصليبية التي استطاعت لنحو 55 عاماً منذ احتلالها أيلة عام 510 هــ عزل الديار المصرية عن بلاد الشام وبلاد الحجاز والتحكم في طرق المواصلات في المنطقة وتهديد كلّ القوافل التي تمرّ بالمنطقة .

2ــ مسير السلطان صلاح الدين من مصر إلى دمشق عبر أيلة عام 570 هــ .

قال أبو شامة : " توّجه صَلَاح الدّين إِلَى دمشق ودخوله إِلَيْهَا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ آخر شهر ربيع الأول : قَالَ الْعِمَاد : لمّا خلا باله مِمَّا تقدم ذكر تجهز لقصد الشَّام ، فَخرج إِلَى الْبركَة مستهل صفر ، وَأقَام حَتَّى اجْتمع الْعَسْكَر ، ثمَّ رَحل إِلَى بلبيس ثَالِث عشر ربيع الأول ، وَكَانَت رسل شمس الدِّين صَاحب بصرى صديق ابْن جاولي وشمس الدّين بن الْمُقدم عِنْده تَسْتَورى فِي الْحَث والبعث زنده وتستقدمه وجنده وَسَار على صَدْر وأيْلة وَوصل السيّر بالسُّرى حَتَّى أَنَاخَ على بصرى بَصيرًا بالعلا نَصِيرًا للهدى ... " أ . هــ 

3ــ عودة السلطان صلاح الدين من دمشق إلى مصر عبر أيلة عام 572 هــ . 

قال أبو شامة : " رُجُوع السُّلْطَان إِلَى مصر: خرج من دمشق يَوْم الْجُمُعَة رَابِع شهر ربيع الأول . قَالَ الْعِمَاد وَلما استتمت للسُّلْطَان بِالشَّام أُمُور ممالكه ، وَأمن على مناهج أمره ومسالكه أزمع إِلَى مصر الإياب ، وَقد أَمْحَلت بعده من جوده جَود السَّحَاب ، وتقدمه الْأُمَرَاء والملوك ، وَخرج بكرَة يَوْم الْجُمُعَة ، وَنزل بمرج الصّفّر ، ثمَّ رَحل عَنهُ قبل الْعَصْر إِلَى قريب الصنمين ، وَخرجت مَعَه وقلبي نزوع إِلَى أَهلِي فَمَا نزلت منزلا إِلَّا نظمت أبياتاً فَقلت يَوْم الْمسير وَقد عبرت بالخيارة :
وممّا جاء في قصيدة العماد الأصفهاني :

وَرْدنا من الزَّيْتُون حســمي وأيلـــــة ... وَلم نسترح حَتَّى صدرنا إِلَى صدرِ
غشينا الغواشي وَهِي يابســـة الثّرى ... بعيدَة عهد الْقطر بالعهد والقطـــرِ
وضنّ عليـــنا بالندى ثَمـــد الْحَــصَى ... وَمن يرتجى ريَّاً من الثمـــد النّزرِ
فَقلت اشرحي بالخمس صَدرا مطيّتي ... بصدر وَإِلَّا جادك النّيــــل للعشـــرِ
رَأينَــا بهَا عيْـــــن الْمُوَاسَــــاة إننـــا ... إِلَى عين مُوسَى نبذل الزّاد للسّفرِ
وَمَا جسرت عَيْني على فيض عبــرةٍ ... أكفكفها حَتَّى عبرنا على الجســـرِ
ومــلنا إِلَــى الأَرْض السّديــر وجنّــة ... هُنَالك من طلحٍ نضيدٍ وَمن ســـدرِ
وجبنا الفــــلا حَتَّى أصـــبْنَا مُبَـــارَكًا ... على بركَة الجبّ المبشر بِالْقصــرِ

وذكر العماد الأصفهاني أيلة في قصيدة مدح فيها الْملك الْمَنْصُور عز الدّين فرخشاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب صاحب بعلبك عام 572 هــ فقال : " ولي فِي هَذَا الْملك قصائد مِنْهَا قصيدة هائية موسومة مدحته بهَا فِي أوّل سنة صَحِبت فِيهَا السُّلْطَان إِلَى مصر وَهِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين " ، وأورد القصيدة وقد جاء فيها قوله :

وعقاب أَيْلَة لَا يُفَـــارق جلّقا ... أحــدٌ إِلَيْهَا غيـر غرٍّ أبـله

جلّق يعني دمشق .

4ــ مسير السلطان صلاح الدين من مصر إلى دمشق عبر أيلة عام 573 هــ .

قال أبو شامة : " ... وَلما سمع السُّلطان بنزول الفرنج على حارم رَحل من الْبركَة يَوْم عيد الْفطر بعساكره وَوصل أَيْلَة فِي عَاشر الشَّهْر واستناب بِمصْر أَخَاهُ الْعَادِل وَأقَام بهَا أَيْضا القَاضِي الْفَاضِل بنيَّة الْحَج فِي السّنة الْقَابِلَة وَوصل السُّلطان إِلَى دمشق فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين من شوّال " أ . هــ 


5ــ مسير الأمير تورانشاه أخو السلطان صلاح الدين من دمشق إلى مصر عبر أيلة عام 574 هــ . 

قال أبو شامة نقلاً عن العماد الأصفهاني : " قَالَ ثمَّ وَجه السُّلْطَان أَخَاهُ الْأَمِير تورانشاه من الشَّام إِلَى مصر بِمن ضعف من الأجناد لأجل مَحل الْبِلَاد فرتب فِي بعلبك نوابه وودعه السُّلْطَان من مرج الصفر وَذَلِكَ فِي أَوَاخِر ذِي الْقعدَة وَمرّ على بصرى وَمِنْهَا إِلَى الْأَزْرَق وَمِنْه إِلَى الجفر إِلَى أَيْلَة إِلَى صدر وَوصل مَعَه خلق كثير من التُّجَّار وَالرِّجَال وَالنِّسَاء والأطفال " أ . هــ

6ــ القاضي الفاضل يستأذن السلطان صلاح الدين للحجّ من أيلة عام 574 هــ . 

قال أبو شامة : " وقفت على الرقعة الَّتِي كتبهَا القَاضِي الْفَاضِل رَحمَه الله بِخَطِّهِ إِلَى السُّلْطَان يلْتَمس مِنْهُ الْأذن لَهُ فِي سفر الْحَج فَأَحْبَبْت نقلهَا هُنَا وَمَا كتبت السُّلْطَان عَلَيْهَا وَمَا كتب بِسَبَبِهَا إِلَى بعض نوابه نقلت من خطّ الْفَاضِل رَحمَه الله :
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم كتب الْمَمْلُوك هَذِه الرقعة بعد أَن استخار الله سُبْحَانَهُ من مستهل رَجَب فِي أَكثر لياليه وَإِلَى آخر هَذِه السَّاعَة وَهُوَ يُنْهِي أَنه قد شَارف الْأَرْبَعين وَمَا يدْرِي لَعَلَّهَا عقبَة اللِّقَاء وَفرض الله فِي الْحَج قد تعين ووعد الْمولى بِهِ قد سبق عِنْد أَيْلَة وَمُدَّة الْغَيْبَة قَصِيرَة والنائب ينفذ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي السّفر والحضر والثقة بِهِ حَاصِلَة فِي المرادين من الْكَاتِب وهما الكتمان والمعرفة " أ . هــ

وقال : " ونقلت من خطّ بعض الْكتاب مَا نَقله من خطّ السُّلْطَان رَحمَه الله إِلَى بعض النواب من كتاب كريم بالخط العالي الناصري أَعْلَاهُ الله ورد بتاريخ السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مئة وصلني كتاب القَاضِي الْفَاضِل وَهُوَ يذكر أَنه مصمم على الْحَج الله يَجعله مُبَارَكًا ميمونا وَلَكِن لَا أفسح لَهُ فِيهِ إِلَّا بعد ثِنْتَيْنِ وَاحِدَة أَنه لَا يركب بَحر يسير من الْعَسْكَر إِلَى أَيْلَة وَمِنْهَا يتَوَجَّه وَيُقِيم الْعَسْكَر على أَيْلَة لَيْلَة وعَلى إرم لَيْلَة وَدون إرم لَيْلَة وقاطع إرم لَيْلَة فَيكون هُوَ قد بعد وَمَا يبْقى عَلَيْهِ خوف إِن شَاءَ الله تَعَالَى وثانية تَأْخُذ يَده وتحلفه برأسي أَنه لَا يجاور وثالثة تعطيه من مَال الجوالي ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَتقول لَهُ لَا بُد مَا تخرج هَذَا عني لَا عَنْك فِي المجاورين بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَفِي أَهلهَا " أ . هــ 

7ــ عودة السلطان صلاح الدين من دمشق إلى مصر عبر أيلة عام 576 هــ . 

قَالَ الْعِمَاد وَلما عزم السُّلْطَان على الرحيل استناب بِالشَّام ابْن أَخِيه عز الدّين فرخشاه وَكَانَ عَزِيز الْمثل غزير الْفضل
وَقَالَ فِيهِ الْعِمَاد عِنْد توديعه قصيدة مِنْهَا :

أســـأَل الله ذَا الْعــــلَا أَن تعيــــــشا ... ألف عَـــام لنصره مستجيشا

وَمِنْهَا :

مَا أكدي شَيْئا ســـــوى فَرْوَة مِنْك ... وأبغي لسفرتـــي إكـــــديشـــا
كَيفَ يَخْلُو من دفء ظهر وَظــهر ... سالك طرق أَيْلَة والعريشــــــا
قالَ الْعِمَاد ورحل السُّلْطَان إِلَى مصر يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشر رَجَب ..... قَالَ الْعِمَاد ووصلنا إِلَى الْقَاهِرَة على طَرِيق أَيْلَة ثَالِث عشر شعْبَان واستقبلنا أَهلهَا ولقينا الأكابر والأعيان وَالْملك الْعَادِل أَخُو السُّلْطَان حِينَئِذٍ بهَا نَائِبه وتلقتنا مواكبه ومواهبه وخدمته بقصيدة ذكرت فِيهَا الْمنَازل والمناهل من يَوْم الرحيل من دمشق إِلَى الْوُصُول بِالْقَاهِرَةِ مِنْهَا :

وَرَأس الحســـا والقريتيـــن وَكلــهَا ... موارد فِيهَا السحب قد غادرت غدرا
وردنا من الزَّيْتُون حســمى وأيـــلة ... وجـــــزنا عقَابا كَانَ مســـلكها وعرا
إِلَى قلتـــة الرَّاعِـــي إِلَى نابـــع إِلَى ... جـــــراول فالنخل الَّذِي لم يزل قفــرا
إِلَى منزل فِي رَوْضَة الْجمل اغتدت ... بِهِ عيســــــنا فِي صدر شَارِحه صَدرا
وَدون حثــــا لما حثثنا رِكَابنَـــــــــا ... عُيُــون لمُوسَى لم يــــــزل مَاؤُهَا مرا
هُنَــــاكَ تلقــــانا الْوُفُــــود ببـــرهم ... فسروا بِنَا نفســــــا وَزَادُوا بِنَا بشــرا

تابع القسم الثاني من أخبار أيلة عند أبي شامة هنا :
من أخبار أيلة ( العقبة ) في القرن السادس للهجرة عند أبي شامة المقدسي ( 2 )  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق