تهتم هذه المدونة وتعنى بتاريخ وتراث وأعلام العقبة وجوارها

السبت، 26 مايو 2018

أيلة ( العقبة ) في نصوص العبدري في القرن السابع للهجرة


من أقدم رحلات المغاربة إلى الديار الحجازية لأداء مناسك الحجّ رحلة أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن علي بن أحمد ابن سعود العبدريّ القرشيّ التي دوّن فيها تفاصيل رحلته عبر درب الحاج المصري من القاهرة إلى مكّة المكرّمة ، وقد وصف صعوبة عقبة أيلة وأنّها عقبة كأداء في طريق الحجّاج ، ووصف أيلة بأنّها من أكبر أسواق درب الحاج ، وشاهد بعض آثار أيلة القديمة وهو قصرٌ صغير وآثار بناء قديم ، وذكر أنّ مياهها أحساء في الرمل على شاطئ البحر وأنّها لا تتأثّر بمياه البحر التي تطمّها بين حين وآخر وفيما يلي نصّ ما دوّنه في رحلته :
 قال العبدري الذي غادر مصر باتّجاه الحجاز في الضّحى الأعلى من يوم الثّلاثاء الثّامن عشر من شهر شوّال مستقبلين للبريّة الكبيرة : بريّة ما بين الحجاز ومصر ، وهي مسيرة أربعين يوما ن وكان ذلك عام 688 هــ : " ... ومن بئر النّخل إلى عقبة أيلة ثلاثة أيّام ، والغالب في ورودها الرّبع ، وهناك قصير وأثر بناء قديم ، وهو موضع مدينة أيلة ، وماؤها أحساء في الرّمل ، وهناك يقطع الخليج الدّاخل من بحر القلزم المذكور ، وهو بحر موسى عليه‌ السلام ، إلى صوب الشّام ، ومن هناك طريق إلى الشّام ، والأحساء المذكورة في ساحل البحر ، وإذا طمت الموجة كستها ومع ذلك ما أثّر فيها ماء البحر ، فسبحان من لا غاية لغرائب صنعه ، ولا حيلة في إعطائه ومنعه .

وأيلة معدودة من كور مصر ، وفيها عدّها البكريّ ، وجعلها القاضي صاعد حدّ طول مصر حسبما تقدم  ، وقد ذكرها القاضي عياض  في مشارقه وغلط فيها فحكى عن أبي عبيدة : أنّها مدينة على شاطئ البحر من بلاد الشّام ، وهي نصف الطّريق من فسطاط مصر إلى مكّة ، وذكرها المتيجيّ صاحب الرّسالة في القبلة في رسالته فقال : " إنّ منها إلى مكّة نصف شهر ". فغلط فيها أيضا كما رأيت ، وذلك غير مستنكر ، فإنّ من لم يشاهد الشّيء يصعب عليه وصفه ، وقلّما يسلم فيه من الغلط " .

وقال : " وعقبة أيلة المذكورة عقبة كؤود ، شاقة طويلة ، مسافتها نحو من خمسة أميال ، تضرّ بالنّاس ، وتقتل الجمال وخصوصا في الرّجوع . وهي في الذّهاب حدور . وأيلة من أسواق الرّكب الكبار ، وربّما أقام بها يومين وثلاثة لأنّها مجمع المصريّين والشّاميّين يتجمّعونها في طلوع الرّكب ورجوعه بأنواع المبيعات ، ولا سيما الطّعام ، وربّما كثر بها حتّى يزيد سعره على سعر الشّام ومصر ، لأنّ الجالب إليها لا بدّ له من البيع لبعد المسافة وعدم المستعتب . وكثير من الحجّاج من يتجهّز منها ولكنّ الأمل ربّما غرّ فضرّ ، وقديما قالوا : " عشّ ولا تغترّ" . وقد كان كثير من النّاس رجوا رخصها  لرخص الشّام ، فلم يكملوا جهازهم من مصر فلمّا أتيناها بلغت بها ويبة الدّقيق ستة عشر درهما ، ثم انتهت إلى أكثر وإلى العدم . والويبة المصريّة ستة عشر قدحا وقدحهم أقلّ من المدّ الحفصيّ ، والصّرف اثنان وعشرون درهما بدينار يوسفيّ ، فكان حساب الويبة قريبا من ثلاثة أرباع الدّينار . فلما صدر الحجّاج كثر الجلب إليها لما رأوا من غلائها ، فلم تزد الويبة على ثلاثة دراهم ، وانتهى إلى أن لم يوجد له مشتر فرجعوا به إلى الشّام .
والمنهلة من هذا الموضع قريبة على نصف يوم ، رحلنا في وقت الظّهر أو قبله بيسير ، فوردناها في وقت المغرب ، وهي أحساء على البحر غزيرة عذبة مثل الأولى سواء ، ومن هنالك يدخل في وادي القرّ ، وهو واد متطاول لا ماء به ، وهو متّصل إلى مغارة شعيب ، شديد البرد ، ولذلك سمّي وادي القرّ " .
 
وذكر في رجوعه من الحجّ عودته إلى الشام عن طريق أيلة فقال : " ... ثمّ رحل الرّكب من المدينة يوم الأربعاء الموفّي ثلاثين لذي حجّة ، راجعا من طريقنا حتّى قرب من وادي الصّفراء ، فتيامن وخرج من مضيق يعرف بنقب عليّ ، مصوّبا على الدّهناء ، ثم على ينبع مارّا على الطّريق الأوّل إلى عقبة أيلة ، فتيامن منها بعض إلى الشّام ، وصوّب الأكثر إلى مصر. وكان الرّكب الشّآمي رحل من المدينة على طريق المعلّى إلى تبوك وصحبه أكثر المغاربة حرصا منهم على تقريب المسافة إلى الشّام لأنّها أقرب من طريق البرّيّة بكثير ، ولكنّها طريق شاقّة قليلة الماء جدّا ، وردها على سبعة أيّام ، فحملهم الكسل والحين المقدّر إلى سلوكها مع ضعفهم وتهتّك قواهم ، فوقع عليهم الثّلج وهم بالقرب من عمّان فأفنى منهم خلقا كثيرا . وذكر بعض من حضر ذلك أنّه قد أحصي منهم ألف وسبع مئة ، وما أعلم أنّه مات ممّن رجع على الطّريق الأوّل إلّا أقل من عشرة ماتوا بالمرض .
وسافرنا من عقبة أيلة إلى الشّام صحبة الأمير الصّالح علاء الدّين الأعمى " أ . هــ
  

وقد نظم قصيدة في رحلته إلى الحجّ وممّا جاء فيها عن أيلة قوله :
وسل في أيـــلة برّا وبـــحرا            وينبع سل بمنقطع ثويّ
وإن تعطف لطيبة ليت عنس           فعرّج إنّها بيت الرّويّ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق