تهتم هذه المدونة وتعنى بتاريخ وتراث وأعلام العقبة وجوارها

الأحد، 6 مايو 2018

موسى والخضر عليهما السلام في بحر أيلة ( العقبة )


من المعلوم أنّ موسى وقومه ظلّوا في بلاد التيه في سيناء 40 عاماً بعد خروجهم من مصر ونجاتهم من فرعون ، وقد مات موسى عليه السلام في تلك الفترة ، وكانت قصّة موسى مع الخضر في أثناء ذلك ، وقد جرت معظم إن لم يكن كلّ أحداث القصّة في بحر أيلة وجوارها ، وفي جزيرة من جزر بحر أيلة التقى موسى بالخضر عليهما السلام ، والقصّة فصّل القول فيها المفسّرون في تفسير سورة الكهف ومن بين هؤلاء المفسّرين العالم الجليل مقاتل بن سليمان .

قال الإمام أحمد : " ما رأيت أحداً أعلمُ بالتفسير من مقاتل بن سليمان " أ . هــ ، وقال الذهبي : " كبير المفسرين ، أبو الحسن ، مقاتل بن سليمان البلخي " أ . هــ 



قال مقاتل بن سليمان في تفسير سورة الكهف : " إن موسى عليه السلام لمّا علم ما في التوراة وفيها تفصيل كلّ شيء قال له رجل من بني إسرائيل : هل في الأرض أحد أعلم منك ؟ قال : لا ، ما بقي أحد من عباد الله ، هو أعلم مني . فأوحى الله عز وجل إليه أنَّ رجلاً من عبادي يسكن جزائر البحر ، يقال له الخضر هو أعلم منك . قال : فكيف لي به ؟
قال جبريل عليه السلام : احمل معك سمكة مالحة فحيث تنساها تجد الخضر هنالك ، فسار موسى ويوشع بن نون ومعهما خبز وسمكة مالحة في مكتل على ساحل البحر فأوى إلى الصخرة ليلاً ، والصخرة بأرض تسمى مروان على ساحل بحر أيلة وعندها عين تسمى عين الحياة ، فباتا عندها تلك الليلة وقرب موسى المكتل من العين وفيها السمكة فأصابها الماء فعاشت ، ونام موسى فوقعت السمكة في البحر ، فجعل لا يمس صفحتها شيء من الماء إلا انفلق عنه فقام الماء من كل جانب وصار أثر الحوت في الماء كهيئة السرب في الأرض ، واقتصد الحوت في مجراه ليلحقاه ، فذلك قوله سبحانه : ( فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ) يعني الحوت اتخذ سبيله يعني طريقه في البحر سربا . يقول كهيئة فم القربة ، فلمّا أصبحا ومشيا نسي يوشع بن نون أن يخبر موسى عليه السلام بالحوت حتى أصبحا وجاعا ، ( فَلَمَّا جاوَزا ) قالَ موسى ( لِفَتاهُ ) ليوشع ( آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً ) يعني مشقة في أبداننا، مثل قوله سبحانه : ( أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ) يعنى مشقة "
قال مقاتل : " قالَ يوشع لموسى : ( أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ ) يعني انتهينا إلى الصخرة وهي في الماء فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ أن أذكر لك أمره ( وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ ) يعني موسى عليه السلام ( طريقه فِي الْبَحْرِ عَجَباً ) فعجب موسى من أمر الحوت فلمّا أخبر يوشع موسى عليه السلام بأمر الحوت قالَ موسى ( ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً ) يقول فرجعا يقصّان آثارهما كقوله سبحانه في القصص ( قُصِّيهِ ) يعني اتبعى أثره ، فأخذا يعني موسى ويوشع في البحر في أثر الحوت حتى لقيا الخضر عليه السلام في جزيرة في البحر ، فذلك قوله سبحانه : ( فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا قائما يصلى آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا ) يقول أعطيناه النعمة وهي النبوة ( وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ) يقول من عندنا علما وعلى الخضر عليه السلام جبة صوف واسمه اليسع ، وإنما سمي اليسع لأن علمه وسع ست سموات وست أرضين فأتاه موسى ويوشع من خلفه فسلما عليه فأنكر الخضر  السلام بأرضه وانصرف فرأى موسى فعرفه ، فقال : وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل ، فقال موسى : وما يدريك أني نبي بني إسرائيل ؟ قال : أدراني الذي أرشدك إليّ وأدراك بي . قالَ لَهُ مُوسى ( هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ) يعني علما . قال الخضر عليه السلام كفى بالتوراة علما وببني إسرائيل شغلا فأعاد موسى الكلام فقالَ الخضر ( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) . قال موسى : ولم ؟ قال : لأني أعمل أعمالاً لا تعرفها ولا تصبر على ما ترى من العجائب حتى تسألني عنه ( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ) يعني علما . ( قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً ) . قال مُقَاتِلُ : فلم يصبر موسى ولم يأثم بقوله ( سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً ) على ما أرى من العجائب فلا أسألك عنها ( وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً ) فيما أمرتني به أو نهيتني عنه قالَ الخضر عليه السلام : ( فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ) يقول حتى أبين لك بيانه ( فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها ) فمرت سفينة فيها ناس فقال الخضر : يا أهل السفينة احملونا معكم في بحر أيلة . قال بعضهم : إنَّ هؤلاء لصوص فلا تحملوهم معنا . قال صاحب السفينة : أرى وجوه أنبياء وما هم بلصوص ، فحملهم بأجر فعمد الخضر فضرب ناحية السفينة بقدوم فخرقها فدخل الماء فيها ، فعمد موسى فأخذ ثيابا فدسها في خرق السفينة فلم يدخل الماء ، وكان موسى عليه السلام ينكر الظلم ، فقام موسى إلى الخضر عليهما السلام فأخذ بلحيته وقالَ له موسى : ( أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ) يعني لقد أتيت أمرا منكرا ، فالتزمه الخضر وذكره الصحبة وناشده بالله ، وركب الخضر على الخرق لئلا يدخلها الماء . قالَ له الخضر: ( أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) على ما ترى من العجائب . قال يوشع لموسى : اذكر العهد الذي أعطيته من نفسك . قالَ موسى : ( لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي ) يعنى تغشينى ( مِنْ أَمْرِي عُسْراً ) يعني من قولي عسرا ثم قعد موسى مهموما يقول في نفسه لقد كنت غنيا عن اتباع هذا الرجل وأنا في بني إسرائيل أقرئهم كتاب الله- عزَّ وجلَّ غدوة وعشياً ، فعلم الخضر ما حدث به موسى نفسه ، وجاء طير يدور يرون أنه خطاف حتى وقع على ساحل البحر ، فنكث بمنقاره في البحر ، ثم وقع على صدر السفينة ، ثم صوّت ، فقال الخضر لموسى : أتدرك ما يقول هذا الطائر ؟ قال موسى  : لا أدري . قال الخضر يقول : ما علم الخضر وعلم موسى في علم الله إلا كقدر ما رفعت بمنقاري من ماء البحر في قدر البحر ، ثم خرجا من السفينة على بحر أيلة ( فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً ) سداسيا ( فَقَتَلَهُ ) الخضر بحجر أسود ، واسم الغلام حسين بن كازري ، واسم أمه سهوى ، فلم يصبر موسى حين رأى المنكر ألا ينكره فقالَ للخضر : ( أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً ) يعني لا ذنب لها ولم يجب عليها القتل ( بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً ) يقول : أتيت أمرا فظيعا . قال يوشع لموسى : اذكر العهد الذي أعطيته عن نفسك . قالَ الخضر لموسى عليهما السلام : ( أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) وإنما قال : ( ألم أقل لك ) لأنه كان قد تقدم إليه قبل ذلك بقوله :  ( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) على ما ترى من العجائب قالَ موسى : ( إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها ) يعنى بعد قتل النفس ( فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً ) يقول لقد أبلغت في العذر إلي ( فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها ) الطعام تسمى القرية باجروان ، ويقال أنطاكية .
قال مُقَاتِلُ : قال قتادة : هي القرية ( فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما ) يعني أن يطعموهما ( فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ) كانوا بَلُّوا الطينَ ( فَأَقامَهُ ) الخضر جديدا فسواه قالَ موسى عمدت إلى قوم لم يطعمونا ولم يضيفونا فأقمت لهم جدارهم فسويته لهم بغير أجر يعني بغير طعام ولا شيء ( لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ) أي لو شئت أعطيت عليه شيئا قالَ الخضر : ( هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ) يعني بعاقبة ( مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ) كقوله سبحانه : ( يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ) يعني عاقبته ، ثم قال الخضر لموسى عليهما السلام : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها ) يعنى أن أخرقها ( وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ ) يعني أمامهم كقوله سبحانه : ( وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا  )واسم الملك مبدلة بن جلندي الأزدي ( يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ ) صالحة صحيحة سوية ( غَصْباً ) كقوله سبحانه : ( فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً ) يعني سوياً ، يعني غصبا من أهلها يقول فعلت ذلك لئلا ينتزعها من أهلها ظلما وهم لا يضرهم خرقها ( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ ) وكان الغلام كافراً ، يقطع الطريق ، ويحدث الحدث ، ويلجأ إليهما ويجادلان عنه ويحلفان بالله ما فعله وهم يحسبون أنه برئ من الشرّ قال الخضر : ( فَخَشِينا ) يعني فعلمنا كقوله سبحانه : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً ) يعني علمت ، وكقوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما ) يعني علمتم ( أَنْ يُرْهِقَهُما ) يعني يغشيهما ( طُغْياناً ) يعني ظلما ( وَكُفْراً ) وفي قراءة أبيّ بن كعب ( فخاف ربك ) يعني فعلم ربك ( فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما ) يعني لأبويه لقتل الغلام ، والعرب تسمى الغلام غلاما ما لم تستو لحيته فأردنا أن يبدلهما ربهما يعني يبدل والديه ( خَيْراً مِنْهُ زَكاةً ) يعني عملا ( وَأَقْرَبَ رُحْماً ) يعني وأحسن منه برّاً بوالديه وكان في شرف وعده .
وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله عزّ وجل أبدلهما غلاماً مكان المقتول ولو عاش المقتول لهلكا في سببه " أ . هــ

قلت : قول مقاتل بن سليمان أنَّ موسى والخضر عليهما السلام : " لقيا الخضر عليه السلام في جزيرة في البحر " ، هي جزيرة من جزائر العرب . قال السيوطي : " السيوطي أخرج ابْن عَسَاكِر من وَجه آخر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ : .... حَتَّى انتهيا إِلَى الصَّخْرَة الَّتِي فعل فِيهَا الْحُوت مَا فعل فأبصر مُوسَى أثر الْحُوت فأخذا أثر الْحُوت يمشيان على المَاء حَتَّى انتهيا إِلَى جَزِيرَة من جزائر الْعَرَب ( فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا . قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا )
فَأقر لَهُ بِالْعلمِ " أ . هــ
وقال الحافظ ابن حجر : "  مَا جَاءَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَغَيْرِهِ فَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ أَنَّ مُوسَى الْتَقَى بِالْخَضِرِ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ انْتَهَى . وَالتَّوَصُّلُ إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ لَا يَقَعُ إِلَّا بِسُلُوكِ الْبَحْرِ غَالِبًا " أ . هــ 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق