تهتم هذه المدونة وتعنى بتاريخ وتراث وأعلام العقبة وجوارها

السبت، 19 مايو 2018

حرب العماليق مع بني إسرائيل في أيلة في زمن يوشع بن نون عليه السلام



 العماليق من الشعوب العربية البائدة التي استوطنت بلاد الحجاز وبلاد الشام منذ عهدٍ قديمٍ جدّاً . وأصبح منهم ملوك كان لهم شأنٌ عظيم ، وكانوا يسمّون مواطنهم بأسماء رجالاتهم . قال أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي : " أوّل من تكلّم بالعربية عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح ، وكان اسمه عريباً ، وكانت العرب تقول في أمثالها : ( من يطع عريباً يمسي غريباً ) لأنّه أخرجهم من بابل حين تكلّموا بالعربية " أ . هــ

وهذا ممّا أخذه العرب عن التوراة .
وقال ابن عبد البرّ : " روينا عن الهيثم بن عدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس : " ... تحوّلت العماليق فنزلت مكّة .... وكانوا يسمّون المنازل التي ينزلونها بأسمائهم " أ . هــ
 وفي ذكر العماليق قال الأستاذ الدكتور محمد بيّومي مهران : " ... وأما أصل الكلمة عماليق أو عمالقة ، فمجهول ، وإن غلب على الظن أنهم نحتوه من اسم قبيلة عربية كانت مواطنها بجهة العقبة أو شماليها ، ويسميهم البابليون ماليق أو مالوق ، فأضاف إليها اليهود لفظ عم أي الشعب أو الأمة ، فقالوا عم ماليق وعم مالوق ، ثم جاءت العرب فقالت : عماليق أو عمالقة ، ثم سرعان ما أطلقت الكلمة على طائفة كبيرة من العرب القدامى .
ويكاد يتفق الإخباريون على أن العماليق عربٌ صُرحاء ، ومن أقدم العرب زماناً ، ولسانهم هو اللسان المضري الذي نطقت به كل العرب البائدة " أ . هــ
 

كان العماليق يستوطنون بلاد الشام ومن معاقلهم مدينة أيلة التي نُسبت إلى أوّل من نزلها من العماليق وهو أيلة بن هوبر بن عمليق ، وتسلسل الملك في ذريّته ، وعند خروج بني إسرائيل من مصر وقعت صدامات بينهم وبين العماليق . قال الأستاذ الدكتور محمد بيّومي مهران : " أنَّ التوراة تحدثنا عن معارك دارت رحاها بين اليهود والعماليق ... في سيناء ، حيث كان يقيم فريق من العماليق ، في منطقة منها تدعى رفيديم ، وأن العماليق استمرّوا يضايقون الإسرائيليين حتى أيام شاؤل ( 1020 ــ 1000 ق . م ) ، أوّل ملوك إسرائيل ، كما يروي سفر صموئيل الأول " ، وقال : " وعلى أيِّ حال ، فالعماليق ــ في نظر التوراة ــ من أقدم الشعوب التي سكنت جنوب فلسطين ، وقد عدهم بلعام أول الشعوب ، ربّما لأنهم كانوا أوّل من اصطدم بالإسرائيليين في أثناء التيه في صحراوات سيناء " ، وقال : " إنَّ هناك نصًّا تواراتيّاً آخر يجعلهم يقيمون في جنوب غرب البحر الميت على أيام الخليل إبراهيم ، وأنهم كانوا على أيام موسى الكليم منتشرين في كلّ صحراء التيه حتى حدود مصر ، وفي معظم سيناء ، وجنوب فلسطين ، كما كان هناك جبل العمالقة في أرض أفرايم .
وليس هناك من شكٍّ في أن الصدام الحقيقي بين اليهود والعماليق إنما بدأ في المرحلة الأولى من التيه ، ونقرأ في التوراة أن العمالقة قد هاجموا بني إسرائيل المنهكين عند خروجهم من مصر وأسروا جميع مقاتليهم ، كما نقرأ كذلك في التوراة أن العماليق قد أتوا لمحاربة بني إسرائيل في رفيديم ، حيث ضرب موسى الحجر بعصاه ، فانبثقت منه اثنتا عشرة عيناً ، ويذهب يوسف بن متى المؤرخ اليهودي ، إلى أن الإسرائيليين حينما وصلوا إلى رفيديم كانوا في حالة يرثى لها من العطش ، ومن ثم فقد كان هجوم العمالقة عليهم ناجحًا " أ . هــ

وكان العماليق عند حربهم الكبرى مع بني إسرائيل بقيادة ملك أيلة ، وهو أحد ملوك الشام السميدع العمليقي . قال المسعودي : " إن العماليق وهم العرب البادية الذين كانوا بالشام " ، وقال : "  سار ملك الشام وهو السميدع بن هوبر بن مالك إلى يوشع بن نون ؛ فكانت بينهم حروب إلى أن قتله يوشع ، واحتوى على جميع ملكه ، وألحق به غيره من الجبابرة والعماليق ، وشَنَّ الغارات بأرض الشامِ ... وقيل : إن يوشع بن نون كان بدء محاربته لملك العماليق وهو السميدع ببلاد أيْلَةَ نحو مدين ، ففي ذلك يقول عوف بن سعد الجرهمي :
ألم ترَ أنَ الْعَمْلَقي ابن هوبــرٍ ...... بأيْلَةَ أمســـــــى لَحْمُهُ قد تمزَّعــــــا
تداعت عليه من يهود حَجافل ...... ثمانين ألفاً حاســــــرين ودرًعــــــا
فأمست عداداً للعماليق بعـده ....... على الأرض مشياً مصعدين وفُزَّعا
كأنْ لم يكونوا بين أجبال مكة ...... ولم يَرَ راءٍ قبل ذاك السَّــــــــمَيْدعا
وممّن ساعد العماليق في حربهم ضدّ بني إسرائيل بلعم بن باعوراء . قال المسعودي : "  أشار على بعض ملوك العماليق أن يبرزوا الحسان من النساء نحو عسكر يوشع بن نون ففعلوا ، فتسرّعوا إلى النساء فقع فيهم الطاعون ، فهلك منهم سبعون ألفاً ، وقيل أكثر من ذلك " أ . هــ 
وقال ابن الكلبي : ولما فتح يوشع أَريحا ... ثم سار إلى أَيْلة وبها ملك العمالقة السَّميدَع بن هوبر فقتله ، وفي ذلك يقول عمرو بن سعد الحميري:
ألم تَرَ أنَّ العملقيَّ ابن هَوْبَـــر ... بأيلةَ أَمسى لحمُهُ قد تمزَّعا
تداعت عليه من يهودَ جحافلٌ ... ثمانون ألفًا حاسرين ودرَّعا
 
وساق نشوان الحميري نسباً مغايراً للسميدع فقال : "  السميدع الملك الذي قتله يوشع بن نون وهو السميدع بن هوثر بن عريب بن مازن بن لأي بن عميلة بن هوثر بن عملق بن السميدع بن الصوار من العمالقة الآخرة ملوك الشام " أ . هــ
قلت : هوثر تصحيف هوبر .
وزعم نشوان الحميري أنَّ الزباء الملكة بنت عمرو بن ظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع ملك أيلة الذي قتله يوشع بن نون .
 
قال وهب بن منبّه في ذكر يوشع بن نون : " قتل بالق ملك بلقاء والسميدع بن هوبر ... وفيه يقول بعضهم :
ألم تر أنّ العملقيّ بن هوبر ... بأيلة أمسى لحمه قد تمزعا
وقال إسحاق بن بشر ( ت 206 هــ ) : " كان على العماليق السميدع بن هوبر، فقتل ، فقال الشاعر في ذلك: من الطويل
ألم تر أنّ العملقيّ بن هوبرٍ ... بأيلة أمسى لحمه قد تمزّعا
تداعى عليه من يهود قبائلٌ ... ثمانون ألفاً حاسرين ودرّعا
وقال أبو عبيد البكريّ : " بعث الله بعد موسى يوشع بن نون بن أفرائيم نبيّا وأمره بمقاتلة الجبّارين .
فسار ببني إسرائيل بعد شهر من موت موسى إلى بلاد الشام ، وقد غلب عليها العماليق ، فسار إليهم ملك الشام وهو السميدع بن هوبر ، فقاتلهم يوشع يوم الجمعة قتالا شديدا حتّى غربت الشمس . فدعا الله أن يردّ عليه الشمس فردّها عليه ، فزاد في النهار يومئذ ، فهزم الجبّارين واقتحموا عليهم يقتلونهم ... وفي هذه الوقيعة يقول عوف بن سعد الجرهمي :
ألم تر أن العمليقي بن هوبر ... بأيلة أمسى لحمه قد تمزّعا
تداعت عليه من يهود جحافل ... ثمانين  ألفا حاسرين ودرّعا
المسالك والممالك
وقال ابن الجوزي : "  يوشع هذا هو الّذي حارب العماليق وعليهم السميدع بن هوبر فالتقوا بأيلة فقتل السميدع و أكثر العماليق " أ . هــ  
وقال ابن خلدون : " قال ابن سعيد فيما نقله عن كتب التواريخ التي اطلع عليها في خزانة الكتب بدار الخلافة من بغداد قال : كانت مواطن العمالقة تهامة من أرض الحجاز فنزلوها أيام خروجهم من العراق أمام النماردة من بنى حام ، ولم يزالوا كذلك إلى أن جاء إسماعيل صلوات الله عليه ، وآمن به من آمن منهم ، وتطرّد لهم الملك إلى أن كان منهم السميدع بن لاوذ بن عمليق ، وفي أيامه خرجت العمالقة من الحرم أخرجتهم جرهم من قبائل قحطان فتفرقوا .... ونزل أرض أيلة ابن هومر بن عمليق واتصل ملكها في ولده وكان السميدع سمة لمن ملك منهم إلى أن كان آخرهم السميدع بن هومر الذي قتله يوشع لما زحف بنو إسرائيل إلى الشأم بعد موسى صلوات الله عليه فكان معظم حروبهم مع هؤلاء العمالقة هنالك ، فغلبه يوشع وأسره وملك أريحا قاعدة الشأم ، وهي قرب بيت المقدس " ، وقال : " وفي كتب الأخباريّين أن العمالقة الذين كانوا بالشام قاتلهم يوشع فهزمهم ، وقتل آخر ملوكهم وهو السميدع بن هوبر بن مالك . وكان لقاؤهم إياه مع بني مدين في أرضهم وفي ذلك يقول عوف بن سعد الجرهميّ :
ألم تر أنّ العلقميّ بن هوبر ... بأيلة أمسى لحمه قد تمزّعا
ترامت عليه من يهود جحافل ... ثمانون ألفا حاسرين ودرعا

وقال المقريزي : " وأمّا العمالقة فهم بنو عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح ، وبهم يضرب المثل في الطول وعظم الجثمان " . قال : " نزل أرض أيلة : أيلة بن هوبر بن عمليق ، واتّصل ملكها في ولده ، وكان السميدع سمة لمن ملك منهم إلى أن كان آخرهم السميدع بن هوبر الذي قتله يوشع بن نون لمّا زحف بنو إسرائيل إلى الام بعد موسى عليه السلام ، وكان معظم حروبهم مع هؤلاء العمالقة بأيلة فغلب يوشع السميدع ، وانتزع ملكه " أ . هــ 

قلت : وكان هذا بدء احتلال بني إسرائيل أيلة واستقرارهم فيها إلى حين . 

وقد سبق الحديث عن سبب تسمية أيلة وأنّها عُرفت بهذا الاسم نسبةً إلى بانيها أيلة بن هوبر العمليقي ، أنظره هنا : 

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق