تهتم هذه المدونة وتعنى بتاريخ وتراث وأعلام العقبة وجوارها

الأحد، 22 أبريل 2018

تزوير يهود أيلة ( العقبة ) كتاباً نسبوه إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم


تداول بعض كتّاب البلدانيات في حديثهم عن أيلة أن لدى قوم من اليهود يقطنونها كتاباً فيه عهدٌ من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بخطّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن هؤلاء : الاصطخري وإسحاق بن الحسين المنجم والبلخي وغيرهم ، ونقله ياقوت الحموي ، وهو بلا ريب كتابٌ وعهدٌ مزوّرٌ أظهر اليهود مثيله في عدد من الأماكن في الجزيرة العربية وبلاد العراق وبلاد الشام كما أظهروه في أيلة وغيرها ، والمحفوظ أنّ العهد الذي كان محفوظاً لدى أهل أيلة هو العهد الذي أعطاه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليوحنّا بن رؤبة ملك أيلة وكان سكّان أيلة وأصحابها أمرها قوم من النصارى وليسو من اليهود . وقد احتال اليهود لتحقيق مآربهم بتزوير بعض الكتب والعهود وتفنّنوا في هذا ثمّ عرضوها على بعض الجهلة من الحكّام وساعدهم بعض أصحاب المصالح من الخونة . 


وقد كان علماء الإسلام لهم بالمرصاد حيثما أظهروا مثل هذه العهود التي لم يذكرها متقدّموا مؤرّخي الإسلام ، فكشفوا عوارها ، وبيّنوا زيفها ، وفيما يلي تفصيل القول في هذا :
 قال الإمام ابن القيّم ( ت 751 هــ ) : " سُئِلْتُ : هَلْ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ بِضَابِطٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْظَرَ فِي سَنَدِهِ ؟
فَهَذَا سُؤَالٌ عَظِيمُ الْقَدْرِ وَإِنَّمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ تَضَلَّعَ فِي مَعْرِفَةِ السَّنَنِ الصَّحِيحَةِ وَاخْتَلَطَتْ بِلَحْمِهِ وَدَمِّهِ وَصَارَ لَهُ فِيهَا مَلَكَةٌ وَصَارَ لَهُ اخْتِصَاصٌ شَدِيدٌ بِمَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالآثَارِ وَمَعْرِفَةِ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَدْيِهِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَيُخْبِرُ عَنْهُ وَيَدْعُو إِلَيْهِ وَيُحِبُّهُ وَيَكْرَهُهُ وَيُشْرِعُهُ لِلأُمَّةِ بحيث كَأَنَّهُ مُخَالِطٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَاحِدٍ مِنَ أَصَحَابِهِ .
فَمِثْلُ هَذَا يَعْرِفُ مِنْ أَحْوَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَدْيِهِ وَكَلامِهِ وَمَا يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ وَمَا لا يَجُوزُ مَا لا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مُتَّبِعٍ مَعَ مَتْبُوعِهِ فَإِنَّ لِلأَخَصِّ بِهِ الْحَرِيصَ عَلَى تَتَبُّعِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ مِنَ الْعِلْمِ بِهَا وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ وَمَا لا يَصِحُّ مَا لَيْسَ لِمَنْ لا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهَذَا شَأْنُ الْمُقَلِّدِينَ مَعَ أَئِمَّتِهِمْ يَعْرِفُونَ أَقْوَالَهُمْ وَنُصُوصَهُمْ وَمَذَاهِبَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ " ، وأورد أمثلة كثيرة ومنها ما يخصّ كتاب يهود خيبر المنسوب إلى علي بن أبي طالب فقال : " وَمِنْهَا: مَا يُقْتَرَنُ بِالْحَدِيثِ مِنَ الْقَرَائِنِ الَّتِي يُعْلَمْ بِهَا أَنَّهُ بَاطِلٌ " ، وقال : "  مِثْلُ حَدِيثِ "وَضْعُ الْجِزْيَةِ عن أَهْلِ خَيْبَرَ" وَهَذَا كَذِبٌ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ :
أحدها : أنه فِيهِ شِهَادَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدُ قَدْ تَوَفَّى قَبْلَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ .
ثَانِيهَا : أَنَّ فِيهِ وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ هَكَذَا وَمُعَاوِيَةُ إِنَّمَا أَسْلَمَ زَمَنَ الْفَتْحِ وَكَانَ مِنَ الطُّلَقَاءِ .
ثَالِثِهَا : أَنَّ الْجِزْيَةَ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ حِينَئِذٍ وَلا يَعْرِفُهَا الصَّحَابَةُ وَلا الْعَرَبُ وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ بَعْدَ عَامِ تَبُوكَ وَحِينَئِذٍ وَضَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَصَارَى نَجْرَانَ وَيَهُودِ الْيَمَنِ وَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ لأَنَّهُمْ وادعوه قبل نزولها ثم قتل من قتل مِنْهُمْ وَأَجْلَى بَقِيَّتَهُمْ إِلَى خَيْبَرَ وَإِلَى الشَّامِ وَصَالَحَهُ أَهْلُ خَيْبَرَ قَبْلَ فَرْضِ الْجِزْيَةِ فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْجِزْيَةِ اسْتَقَرَّ الأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَابْتَدَأَ ضَرْبُهَا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مَعَهُ صلح فمن هاهنا وَقَعَتِ الشُّبْهَةُ فِي أَهْلِ خَيْبَرَ .
رَابِعِهَا : أَنَّ فِيهِ وَضَعَ عَنْهُمُ الْكَلَفَ وَالسُّخْرَ وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ كَلَفٌ وَلا سَخَرٌ وَلا مُكُوسٌ .
خَامِسِهَا : أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ عَهْدًا لازِمًا بَلْ قَالَ نُقِرُّكُمْ مَا شِئْنَا فَكَيْفَ يَضَعُ عَنْهُمُ الْجِزْيَةَ الَّتِي يَصِيرُ لأَهْلِ الذِّمَّةِ بِهَا عَهْدٌ لازِمٌ مُؤَبَّدٌ ثُمَّ لا يُثْبَتُ لَهُمْ أَمَانًا لازما مؤبدا .
سادسها : أن مثل هذا مما تتوفر الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ قَدْ وَقَعَ وَلا يَكُونُ علمه عند حَمَلَةِ السُّنَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَيَنْفَرِدُ بِعِلْمِهِ وَنَقْلِهِ اليهود ؟
سابعها : أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمْ مِنَ الإِحْسَانِ مَا يُوجِبُ وَضْعَ الْجِزْيَةَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ حَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وقاتلوه وَقَاتَلُوا أَصْحَابَهُ وَسَلُّوا السُّيُوفَ فِي وُجُوهَهُمْ وَسَمُّوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآوُوا أَعْدَاءَهُ الْمُحَارِبِينَ لَهُ الْمُحَرِّضِينَ عَلَى قِتَالِهِ فَمِنْ أَيْنَ يَقَعُ هَذَا الاعْتِنَاءُ بِهِمْ وَإِسْقَاطُ هَذَا الْفَرْضِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ عُقُوبَةً لِمَنْ لَمْ يَدْنُ مِنْهُمْ بِدِينِ الإِسْلامِ ؟
ثَامِنِهَا : أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْقِطْهَا عَنِ الأَبْعَدَيْنِ مَعَ عدم معاداتهم لَهُ كَأَهْلِ الْيَمَنِ وَأَهْلِ نَجْرَانَ فَكَيْفَ يَضِعُهَا عن جيرانه الأدنين مَعَ شِدَّةِ مُعَادَاتِهِمْ لَهُ وَكُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كُلَّمَا اشْتَدَّ كُفْرُ الطَّائِفَةِ وَتَغَلَّظَتْ عَدَاوَتُهُمْ كَانُوا أَحَقَّ بِالْعُقُوبَةِ لا بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ .
تَاسِعِهَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَسْقَطَ عَنْهُمُ الْجِزْيَةَ كَمَا ذَكَرُوا لَكَانُوا مِنْ أَحْسَنَ الْكُفَّارِ حَالا وَلَمْ يَحْسُنْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِطَ لَهُمْ إِخْرَاجَهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَبِلادِهِمْ مَتَى شَاءَ فَإِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ الَّذِينَ يَقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ لا يَجُوزُ إِخْرَاجُهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ وَدِيَارِهِمْ مَا دَامُوا مُلْتَزِمِينَ لأَحْكَامِ الذِّمَّةِ فَكَيْفَ إِذَا رُوعِيَ جَانِبُهُمْ بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ وَأُعْفُوا مِنَ الصِّغَارِ الَّذِي يُلْحِقُهُمْ بِأَدَائِهَا فَأَيُّ صِغَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ نَفْيِهِمْ مِنْ بِلادِهِمْ وَتَشْتِيتِهِمْ فِي أَرْضِ الْغُرْبَةِ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَا وَهَذَا ؟
عاشرها : أن هذا لَوْ كَانَ حَقًّا لَمَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعُونَ وَالْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ عَلَى خِلافِهِ وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ رَجُلٌ وَاحِدٌ قَالَ لا تَجِبُ الْجِزْيَةُ عَلَى الْخَيْبَرِيَّةِ لا فِي التَّابِعِينَ وَلا فِي الْفُقَهَاءِ بَلْ قَالُوا أَهْلُ خَيْبَرَ وَغَيْرُهُمْ فِي الْجِزْيَةِ سَوَاءٌ وَعَرَضُوا بِهَذَا الْكِتَابِ الْمَكْذُوبِ وَقَدْ صرحوا بأنه كذب كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمْ .
وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ هَذَا الْكِتَابَ وَبَيَّنَ أَنَّهُ كَذِبٌ من عدة وجوه. وأحضر هَذَا الْكِتَابَ بَيْنَ يَدِيِّ شَيْخِ الإِسْلامِ وَحَوْلَهُ الْيَهُودِ يَزُفُّونَهُ وَيَجْلُونَهُ وَقَدْ غُشِيَ بِالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فَلَمَّا فَتَحَهُ وَتَأَمَّلَهُ بَزِقَ عَلَيْهِ وَقَالَ هذا كَذِبٌ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ وَذَكَرَهَا فَقَامُوا مِنْ عِنْدِهِ بِالذُّلِّ وَالصَّغَارِ " أ . هــ 
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى أيضاً : " لما كان في بعض الدول التي خفيت فيها السنة وأعلامها أظهر طائفة منهم كتابا قد عتقوه وزوروه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط عن يهود خيبر الجزية ، وفيه شهادة علي بن أبي طالب وسعد بن معاذ وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، فراج ذلك على من جهل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم  ومغازيه وسيره ، وتوهموا بل ظنوا صحته ، فجروا على حكم هذا الكتاب المزور ، حتى ألقي إلى شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه من طلب منه أن يعين على تنفيذه والعمل عليه ، فبصق عليه ، واستدل على كذبه بعشرة أوجه .
منها: أن فيه شهادة سعد بن معاذ ، وسعد توفي قبل خيبر .
ومنها : أن في الكتاب أنه أسقط عنهم الجزية ، والجزية لم تكن نزلت بعد ، ولا يعرفها الصحابة حينئذ فإن نزولها عام تبوك بعد خيبر بثلاثة أعوام .
ومنها : أنه أسقط عنهم الكلف والسخر ، وهذا محال فلم يكن في زمانه كلف ولا سخر تؤخذ منهم ولا من غيرهم ، وقد أعاذه الله وأعاذ أصحابه من أخذ الكلف والسخر ؛ وإنما هي من وضع الملوك الظلمة واستمر الأمر عليها .
ومنها : أن هذا الكتاب لم يذكره أحد من أهل العلم على اختلاف أصنافهم ، فلم يذكره أحد من أهل المغازي والسير ، ولا أحد من أهل الحديث والسنة ، ولا أحد من أهل الفقه والإفتاء ، ولا أحد من أهل التفسير ، ولا أظهروه في زمان السلف لعلمهم أنهم إن زوروا مثل ذلك عرفوا كذبه وبطلانه ، فلما استرقوا بعض الدول في وقت فتنة وخفاء بعض السنة زوروا ذلك وعتقوه وأظهروه ، وساعدهم على ذلك طمع بعض الخائنين لله ولرسوله ، ولم يستمر لهم ذلك حتى كشف الله أمره وبين خلفاء الرسل بطلانه وكذبه .
قال شيخنا : ولما كان عام إحدى وسبعمائة أحضر جماعة من يهود دمشق عهودًا ادعوا أنها قديمة ، وكلها بخط علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد غشوها  بما يقتضي تعظيمها وكانت قد نفقت على ولاة الأمور من مدة طويلة فأسقطت عنهم الجزية بسببها، وبأيديهم توقيع ولاة فلما وقفت عليها تبين في نفسها ، ما يدل على كذبها من وجوه كثيرة جدًا .
منها: اختلاف الخطوط اختلافًا متفاقمًا في تأليف الحروف الذي يعلم معه أن ذلك لا يصدر عن كاتب واحد ، وكلها نافية أنه خط علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ومنها : أن فيها من اللحن الذي يخالف لغة العرب ما لا يجوز نسبة مثله إلى علي رضي الله عنه ولا غيره .
ومنها : الكلام الذي لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حق اليهود مثل : ( إنهم يعاملون بالإجلال والإكرام ) وقوله : ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) وقوله ( أحسن الله بكم الجزاء ) وقوله : ( عليه أن يكرم محسنكم ويعفو عن مسيئكم ) وغير ذلك .
ومنها: أن في الكتاب إسقاط الخراج عنهم مع أنهم في أرض الحجاز ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يضع خراجا قط ، وأرض الحجاز لا خراج فيها بحال ، والخراج أمر يجب على المسلمين فكيف يسقط عن أهل الذمة ؟
ومنها : أن في بعضها إسقاط الكلف والسخر عنهم ، وهذا مما فعله الملوك المتأخرون لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه .
وفي بعضها : أنه شهد عنده عبد الله بن سلام وكعب بن مالك وغيرهما من أحبار اليهود ، وكعب بن مالك لم يكن من أحبار اليهود فاعتقدوا أنه كعب الأحبار وذلك لم يكن من الصحابة وإنما أسلم على عهد عمر رضي الله عنه .
ومنها : أن لفظ الكلام ونظمه ليس من جنس كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
ومنها : أن فيه من الإطالة والحشو ما لا يشبه عهود النبي صلى الله عليه وسلم .
وفيها وجوه أخر متعددة مثل أن هذه العهود لم يذكرها أحد من العلماء المتقدمين قبل ابن شريح ولا ذكروا أنها رفعت إلى أحد من ولاة الأمور فعملوا بها ومثل ذلك مما يتعين شهرته ونقله " أ . هــ

وقال : " فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ يَأْخُذُهَا مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ بَعْدَ نُزُولِهَا ؟ قِيلَ : كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ صُلْحُهُ لَهُمْ عَلَى إِقْرَارِهِمْ فِي الْأَرْضِ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مَا شَاءَ ، فَوَفَى لَهُمْ عَهْدَهُمْ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ غَيْرَ مَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ ، فَلَمَّا أَجْلَاهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الشَّامِ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَسْتَمِرُّونَ عَلَى أَنْ يُعْفَوْا مِنْهَا فَزَوَّرُوا كِتَابًا يَتَضَمَّنُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْقَطَهَا عَنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَقَدْ صَنَّفَ الْخَطِيبُ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا فِي إِبْطَالِ ذَلِكَ الْكِتَابِ تَصَانِيفَ ذَكَرُوا فِيهَا وُجُوهًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ مَوْضُوعٌ بَاطِلٌ " أ . هــ وأورد كلام شيخ الإسلام ابن تيمية . 

وقال : " وَأَمَّا هَدْيُهُ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ جِزْيَةً إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ ( سُورَةِ بَرَاءَةٌ ) فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْجِزْيَةِ ، أَخَذَهَا مِنَ الْمَجُوسِ ، وَأَخَذَهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَأَخَذَهَا مِنَ النَّصَارَى ، وَبَعَثَ معاذا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ ، فَعَقَدَ لِمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ يَهُودِهَا الذِّمَّةَ ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ وَلَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ ، فَظَنَّ بَعْضُ الْغَالِطِينَ الْمُخْطِئِينَ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ خَيْبَرَ ، وَأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ وَإِنْ أُخِذَتْ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَهَذَا مِنْ عَدَمِ فِقْهِهِ فِي السِّيَرِ وَالْمَغَازِي ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَهُمْ وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يُقِرَّهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا شَاءَ وَلَمْ تَكُنِ الْجِزْيَةُ نَزَلَتْ بَعْدُ ، فَسَبَقَ عَقْدُ صُلْحِهِمْ وَإِقْرَارُهُمْ فِي أَرْضِ خَيْبَرَ نُزُولَ الْجِزْيَةِ ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُقَاتِلَ أَهْلَ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي هَذَا يَهُودُ خَيْبَرَ إِذْ ذَاكَ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ قَدِيمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَلَى إِقْرَارِهِمْ ، وَأَنْ يَكُونُوا عُمَّالًا فِي الْأَرْضِ بِالشَّطْرِ ، فَلَمْ يُطَالِبْهُمْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ وَطَالَبَ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَقْدٌ كَعَقْدِهِمْ بِالْجِزْيَةِ، كَنَصَارَى نَجْرَانَ ، وَيَهُودِ الْيَمَنِ ، وَغَيْرِهِمْ. فَلَمَّا أَجْلَاهُمْ عمر إِلَى الشَّامِ ، تَغَيَّرَ ذَلِكَ الْعَقْدُ الَّذِي تَضَمَّنَ إِقْرَارَهُمْ فِي أَرْضِ خَيْبَرَ ، وَصَارَ لَهُمْ حُكْمُ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " أ . هــ 

وقال الذهبي : " أظهر بعض اليهود كتاباً بإسقاط النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجزية عن الخيابرة وفيه شهادة الصحابة ، فعرضه الوزير على أبي بكر فقال : هذا مزوّر ، قيل : من أين قلت هذا ؟ قال : فيه شهادة معاوية ، وهو أسلم عام الفتح بعد خيبر ، وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات قبل خيبر بسنين " أ . هــ

قلت : وبهذا يتبيّن لنا أن الكتاب الذي ذكره البعض لدى يهود أيلة كتابٌ مزوّرٌ لا صحّة له ، وأن العهد كان لنصارى أيلة وكان ذلك في العام التاسع للهجرة عند فتح تبوك . 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق