في عام 578 هــ قرّر أرناط حاكم الكرك الصليبية اجتياح بلاد الحجاز ، فقام ببناء أسطول في الكرك ثمّ حمله إلى ساحل أيلة بعد أن اجتاحها ، وهناك قام بجمع هذا الأسطول ليرسل قوّاته بحراً إلى الحجاز ، وكانت لأيلة قلعة أخرى في جزيرة مجاورة هي جزيرة قريّة التي تُعرف في زماننا هذا بجزيرة فرعون ، وكانت فيها حامية قويّة للدولة الأيوبيّة ، فهاجمتها القوّات الصليبيّة ، غير أنّها صمدت ، فلم يجد الصليبيّون بدّاً من محاصرتها ، ومنع وصل الماء إلى من فيها ، وسارت بقيّة القوة الصليبيّة لأداء مهامها في بحر أيلة في بلاد الحجاز وسواحل مصر ، فلمّا علم السلطان صلاح الدين الأيّوبي بذلك وكان في بلاد الشام إلى أخيه العادل في مصر لإرسال قوّة لصدّ الصليبيّين ، فأوكل العادل هذه المهمة إلى حسام الدين لؤلؤ ، وكان بطلاً من أبطال الدولة الأيوبيّة ، فسار بأسطول من مصر إلى أيلة ، وتمكّن من الفتك بالقوّة المحاصرة للجزيرة ، وفكّ الحصار عن القوّة داخل الجزيرة ، ثمّ أكمل مهمته بمطاردة الصليبيّين إلى أن تمكّن منهم ، وفيما يلي تفصيل الخبر :
قال ابن الأثير : " ذكر الظفر بالفرنج في بحر عيذاب في هذه السنة عمل البرنس صاحب الكرك أسطولا وفرغ منه بالكرك ، ولم يبق إلا جمع قطعه بعضها إلى بعض ، وحملها إلى بحر أيلة ، وجمعها في أسرع وقت .
وفرغ منها وشحنها بالمقاتلة وسيرها ، فساروا في البحر ، وافترقوا فرقتين فرقة قامت على حصن أيلة يحصرونه ، ويمنعون أهله من ورود الماء فنال أهله شدة شديدة وضيق عليهم ، وأما الفرقة الثانية فإنهم ساروا نحو عيذاب ، وأفسدوا في السواحل ونهبوا وأخذوا ما وجدوا من المراكب الإسلامية ومن فيها من التجار ، وبغتوا الناس في بلادهم على حين غفلة منهم ، فإنهم لم يعهدوا بهذا البحر فرنجياً لا تاجراً ولا محارباً .
وكان بمصر الملك العادل أبو بكر بن أيوب ينوب عن أخيه صلاح الدين ، فعمر أسطولاً وسيّره وفيه جمع كثير من المسلمين ، ومقدمهم حسام الدين لؤلؤ الحاجب ، وهو متولي الأسطول بديار مصر ، وكان مظفراً فيه شجاعاً كريماً ، فسار لؤلؤ مجداً في طلبهم ، فابتدأ بالذين على أيلة فانقض عليهم انقضاض العقاب على صيده ، فقتل بعضهم وأسر الباقي ، وسار من وقته بعد الظهر بقصّ أثر الذين قصدوا عيذاب فلم يرهم ، وكانوا أغاروا على ما وجدوه بها ، وقتلوا من لقوه عندها ، وساروا إلى غير ذلك المرسى ليفعلوا كما فعلوا فيه ، وكانوا عازمين على الدخول إلى الحجاز مكة والمدينة حرسهما الله تعالى ، وأخذ الحاج ومنعهم عن البيت الحرام، والدخول بعد ذلك إلى اليمن .
فلمّا وصل لؤلؤ إلى عيذاب ولم يرهم سار يقفو أثرهم ، فبلغ رابغ وساحل الحوزاء وغيرهما ، فأدركهم بساحل الحوزاء ، فأوقع بهم هناك ، فلمّا رأوا العطب وشاهدوا الهلاك خرجوا إلى البرّ ، واعتصموا ببعض تلك الشعاب ، فنزل لؤلؤ من مراكبه إليهم ، وقاتلهم أشدَّ قتال ، وأخذ خيلاً من الأعراب الذين هناك ، فركبها وقاتلهم فرسانه ورجاله فظفر بهم ، وقتل أكثرهم ، وأخذ الباقين أسرى ، وأرسل بعضهم إلى منى لينحروا بها عقوبة لمن رام إخافة حرم الله تعالى وحرم رسوله ، وعاد بالباقين إلى مصر فقتلوا جميعهم .
وفرغ منها وشحنها بالمقاتلة وسيرها ، فساروا في البحر ، وافترقوا فرقتين فرقة قامت على حصن أيلة يحصرونه ، ويمنعون أهله من ورود الماء فنال أهله شدة شديدة وضيق عليهم ، وأما الفرقة الثانية فإنهم ساروا نحو عيذاب ، وأفسدوا في السواحل ونهبوا وأخذوا ما وجدوا من المراكب الإسلامية ومن فيها من التجار ، وبغتوا الناس في بلادهم على حين غفلة منهم ، فإنهم لم يعهدوا بهذا البحر فرنجياً لا تاجراً ولا محارباً .
وكان بمصر الملك العادل أبو بكر بن أيوب ينوب عن أخيه صلاح الدين ، فعمر أسطولاً وسيّره وفيه جمع كثير من المسلمين ، ومقدمهم حسام الدين لؤلؤ الحاجب ، وهو متولي الأسطول بديار مصر ، وكان مظفراً فيه شجاعاً كريماً ، فسار لؤلؤ مجداً في طلبهم ، فابتدأ بالذين على أيلة فانقض عليهم انقضاض العقاب على صيده ، فقتل بعضهم وأسر الباقي ، وسار من وقته بعد الظهر بقصّ أثر الذين قصدوا عيذاب فلم يرهم ، وكانوا أغاروا على ما وجدوه بها ، وقتلوا من لقوه عندها ، وساروا إلى غير ذلك المرسى ليفعلوا كما فعلوا فيه ، وكانوا عازمين على الدخول إلى الحجاز مكة والمدينة حرسهما الله تعالى ، وأخذ الحاج ومنعهم عن البيت الحرام، والدخول بعد ذلك إلى اليمن .
فلمّا وصل لؤلؤ إلى عيذاب ولم يرهم سار يقفو أثرهم ، فبلغ رابغ وساحل الحوزاء وغيرهما ، فأدركهم بساحل الحوزاء ، فأوقع بهم هناك ، فلمّا رأوا العطب وشاهدوا الهلاك خرجوا إلى البرّ ، واعتصموا ببعض تلك الشعاب ، فنزل لؤلؤ من مراكبه إليهم ، وقاتلهم أشدَّ قتال ، وأخذ خيلاً من الأعراب الذين هناك ، فركبها وقاتلهم فرسانه ورجاله فظفر بهم ، وقتل أكثرهم ، وأخذ الباقين أسرى ، وأرسل بعضهم إلى منى لينحروا بها عقوبة لمن رام إخافة حرم الله تعالى وحرم رسوله ، وعاد بالباقين إلى مصر فقتلوا جميعهم .
وقال العماد الأصفهاني : " َفِي شَوَّال سنة ثَمَان وَسبعين كَانَت نصْرَة الأسطول المتوجه إِلَى بَحر القلزم والمقدم فِيهِ الْحَاجِب حسام الدّين لُؤْلُؤ لطلب الفرنج السالكين بَحر الْحجاز .
وَذَلِكَ أَن الإبرنس أرناط صَاحب الكرك لما صَعب عَلَيْهِ مَا توالى عَلَيْهِ من نكاية أَصْحَابنَا المقيمين بقلعة أَيْلَة ، وَهِي فِي وسط الْبَحْر لَا سَبِيل عَلَيْهَا لأهل الْكفْر . أفكر فِي أسباب احتياله ، وَفتح أبواب اغتياله ، ودبّر فِي نهج طرق بالغوائل ، فَبنى لَهُ سفنا ، وَنقل أخشابها على الْجمال الى السَّاحِل ، ثمَّ ركب المراكب هُنَاكَ ، وَطلب فِي الْبَحْر الأدراك والإستدراك ، وشحنها بِالرِّجَالِ والات الْقِتَال ، ووقف مِنْهَا مركبين على جَزِيرَة القلعة ، وهما شَدِيدا المنعة ، فَمنع أهلها من استقاء المَاء ، وَندب أشياعها فِي الأشياء ، وَمضى الْبَاقُونَ فِي مراكب نَحْو عيذاب ، فَقطعُوا طَرِيق التُّجَّار ، وشرعوا فِي الْقَتْل والنهب والإسار ، ثمَّ توجهوا إِلَى أَرض الْحجاز ، فَتعذر على النَّاس وَجه الِاحْتِرَاز ، فإنه لم يعْهَد فِي ذَلِك الْبَحْر طروق الْكفَّار ، وَلَا تأجّج فِي لجّة شرار الأشرار ، فَعظم الْبلَاء وأعضل الدَّاء ، واستشرى الشَّرّ ، واستضرى الضّر ، وشاعت النكاية ، وراعت الآية ، وجزع الْعَاجِز وَعجز الجازع ، وَضعف النازع وقوى المنازع ، وبليت الرّعية مِنْهُم بأفجع لوعة ، وأفجأ روعة ، وأشرف أهل الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة مِنْهُم على خطر ، وأصيبوا بالنفيسين من وَطن ووطر ، وخافت السواحل حُلُول الأسواء ، وَنزلت بالبلاد نَوَازِل الْبلَاء ، وَوصل الْخَبَر إِلَى مصر وَالْملك الْعَادِل أَخُو السُّلْطَان متوليها ، وَرَافِع اعلام الإسلام ومعليها ، فأفكر فِيمَن يتدرّك بالأمر ، ويسلك إِلَى الْقَوْم فِي الْبَحْر ، ويفتك بِأَهْل الْكفْر ، وَوَقع اخْتِيَاره على الشهم الْمُخْتَار ، وَاللَّيْث المغوار ، والفارس الكرّار ، والخضرم التيّار ، والخضم الزخّار ، والضيغم الزَّار ، وَهُوَ الْحَاجِب حسام الدّين لُؤْلُؤ ، فأحيا بِهِ السّنة الْقَدِيمَة ، والنصرة الْكَرِيمَة ، فِي القَوْل السَّابِق بِالْفِعْلِ الصَّادِق ... ايش مَا شِئْتُم فَقولُوا ... إِنَّمَا الْفَتْح للولو ...
فعمّر فِي بَحر القزم مراكب الرِّجَال البحرية ، ذوى التجربة والتحرية من أهل النخوة للدّين وَالْحمية ، وَسَار إِلَى أَيْلَة فظفر بالمركب الفرنجي عِنْدهَا ، فخرق السَّفِينَة ، وَأسر جندها ، ثمَّ عدّى إِلَى عيذاب ، وَشَاهد بِأَهْلِهَا الْعَذَاب ، وَدُلّ على مراكب الْعَدو فتبعها ، وَرَأى تسرّعه وراها ، لما عرف فِي نكرها تسرّعها ، وَوَقع بهَا بعد أيام ، فأوقع بهَا وواقعها ، وَقطع قطعهَا ، ونسف برِيح بأسه سفنها ، وأزارها وَهِي هاوية ، وهيها ووهنها إِلَى بعض سواحل الْبَريَّة ، بشعابها محتمية ، وَفِي تَلَالهَا مرتقية ، وبقتالها مبتدئة ، وَمن اغتيالها مختشية ، فَلم يزل الْحَاجِب لُؤْلُؤ ناكب مراكبها ، وراكب مناكبها ، حَتَّى أزالها وأزلها ، وفلَّ فلّهَا وأشلّها ، وسلّها وهجم على كثرتها ، فاستقلَّ اليها ، واستقلّها ، فَلَمَّا استنفرت وفرت ، وَفرقت وَتَفَرَّقَتْ وَمَا قرت ، بَدَأَ بالسفن فأطلق المأسورين من التُّجَّار ، وردَّ عَلَيْهِم كلّ مَا اخذ لَهُم من الْمَتَاع وَالدِّرْهَم وَالدِّينَار ، ثمَّ اقْتضى بدين الدّين عِنْد الْكفَّار ، ثمَّ صعد إِلَى الْبر ، فَوجدَ أعراباً قد نزلُوا مِنْهُ شعاباً ، فَركب خيلهم وَرَاء الهاربين ، وَكَانُوا فِي أَرض تِلْكَ الطّرق ضاربين ، فحصرهم فِي شعب لَا مَاء فِيهِ ، وَحلّق عَلَيْهِم بقوادم الْبَأْس وخوافيه ، وجلّاهم عَن المَاء ، وأحاهم بالإظماء ، وأتاهم بالأتواء ، وداوى أدواهم بالأدواء ، وناظر ناضرهم بالأدواء ، وحسر ظامئهم على الارواء ، وعثر أردياءهم فِي سبل الارداء ، حَتَّى اسْتَكَانُوا ولانوا ، وهابوا وهانوا ، واستأمنوا واستسلموا ، وَلَو أَسْلمُوا لسلموا ، فأسرهم بأسرهم ، وَأَخذهم فِي مكر مَكْرهمْ ، وَقيد مِنْهُم أقدام أقدامهم ، وأكفَّ كفرهم ، وَكَانَ ذَلِك فِي أشهر الْحَج ، فساق مِنْهُم أسيرين إِلَى منى ، كَمَا يساق الْهَدْي ، وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة ، وَمَعَهُ الأسر والسبي ، وَقد بذل وسع بالنجح ونجح السَّعْي ، وَجَاءَت الْبُشْرَى بِمَا منَّ الله بِهِ من الحظوة ، والنصرة الحلوة ، فَكتب السُّلْطَان اليه بِضَرْب رقابهم ، وَقطع أسبابهم ، بِحَيْثُ لَا يبْقى مِنْهُم عين تطرف ، وَلَا أحد يخبر طَرِيق ذَلِك الْبَحْر أَو يعرف .
وَذَلِكَ أَن الإبرنس أرناط صَاحب الكرك لما صَعب عَلَيْهِ مَا توالى عَلَيْهِ من نكاية أَصْحَابنَا المقيمين بقلعة أَيْلَة ، وَهِي فِي وسط الْبَحْر لَا سَبِيل عَلَيْهَا لأهل الْكفْر . أفكر فِي أسباب احتياله ، وَفتح أبواب اغتياله ، ودبّر فِي نهج طرق بالغوائل ، فَبنى لَهُ سفنا ، وَنقل أخشابها على الْجمال الى السَّاحِل ، ثمَّ ركب المراكب هُنَاكَ ، وَطلب فِي الْبَحْر الأدراك والإستدراك ، وشحنها بِالرِّجَالِ والات الْقِتَال ، ووقف مِنْهَا مركبين على جَزِيرَة القلعة ، وهما شَدِيدا المنعة ، فَمنع أهلها من استقاء المَاء ، وَندب أشياعها فِي الأشياء ، وَمضى الْبَاقُونَ فِي مراكب نَحْو عيذاب ، فَقطعُوا طَرِيق التُّجَّار ، وشرعوا فِي الْقَتْل والنهب والإسار ، ثمَّ توجهوا إِلَى أَرض الْحجاز ، فَتعذر على النَّاس وَجه الِاحْتِرَاز ، فإنه لم يعْهَد فِي ذَلِك الْبَحْر طروق الْكفَّار ، وَلَا تأجّج فِي لجّة شرار الأشرار ، فَعظم الْبلَاء وأعضل الدَّاء ، واستشرى الشَّرّ ، واستضرى الضّر ، وشاعت النكاية ، وراعت الآية ، وجزع الْعَاجِز وَعجز الجازع ، وَضعف النازع وقوى المنازع ، وبليت الرّعية مِنْهُم بأفجع لوعة ، وأفجأ روعة ، وأشرف أهل الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة مِنْهُم على خطر ، وأصيبوا بالنفيسين من وَطن ووطر ، وخافت السواحل حُلُول الأسواء ، وَنزلت بالبلاد نَوَازِل الْبلَاء ، وَوصل الْخَبَر إِلَى مصر وَالْملك الْعَادِل أَخُو السُّلْطَان متوليها ، وَرَافِع اعلام الإسلام ومعليها ، فأفكر فِيمَن يتدرّك بالأمر ، ويسلك إِلَى الْقَوْم فِي الْبَحْر ، ويفتك بِأَهْل الْكفْر ، وَوَقع اخْتِيَاره على الشهم الْمُخْتَار ، وَاللَّيْث المغوار ، والفارس الكرّار ، والخضرم التيّار ، والخضم الزخّار ، والضيغم الزَّار ، وَهُوَ الْحَاجِب حسام الدّين لُؤْلُؤ ، فأحيا بِهِ السّنة الْقَدِيمَة ، والنصرة الْكَرِيمَة ، فِي القَوْل السَّابِق بِالْفِعْلِ الصَّادِق ... ايش مَا شِئْتُم فَقولُوا ... إِنَّمَا الْفَتْح للولو ...
فعمّر فِي بَحر القزم مراكب الرِّجَال البحرية ، ذوى التجربة والتحرية من أهل النخوة للدّين وَالْحمية ، وَسَار إِلَى أَيْلَة فظفر بالمركب الفرنجي عِنْدهَا ، فخرق السَّفِينَة ، وَأسر جندها ، ثمَّ عدّى إِلَى عيذاب ، وَشَاهد بِأَهْلِهَا الْعَذَاب ، وَدُلّ على مراكب الْعَدو فتبعها ، وَرَأى تسرّعه وراها ، لما عرف فِي نكرها تسرّعها ، وَوَقع بهَا بعد أيام ، فأوقع بهَا وواقعها ، وَقطع قطعهَا ، ونسف برِيح بأسه سفنها ، وأزارها وَهِي هاوية ، وهيها ووهنها إِلَى بعض سواحل الْبَريَّة ، بشعابها محتمية ، وَفِي تَلَالهَا مرتقية ، وبقتالها مبتدئة ، وَمن اغتيالها مختشية ، فَلم يزل الْحَاجِب لُؤْلُؤ ناكب مراكبها ، وراكب مناكبها ، حَتَّى أزالها وأزلها ، وفلَّ فلّهَا وأشلّها ، وسلّها وهجم على كثرتها ، فاستقلَّ اليها ، واستقلّها ، فَلَمَّا استنفرت وفرت ، وَفرقت وَتَفَرَّقَتْ وَمَا قرت ، بَدَأَ بالسفن فأطلق المأسورين من التُّجَّار ، وردَّ عَلَيْهِم كلّ مَا اخذ لَهُم من الْمَتَاع وَالدِّرْهَم وَالدِّينَار ، ثمَّ اقْتضى بدين الدّين عِنْد الْكفَّار ، ثمَّ صعد إِلَى الْبر ، فَوجدَ أعراباً قد نزلُوا مِنْهُ شعاباً ، فَركب خيلهم وَرَاء الهاربين ، وَكَانُوا فِي أَرض تِلْكَ الطّرق ضاربين ، فحصرهم فِي شعب لَا مَاء فِيهِ ، وَحلّق عَلَيْهِم بقوادم الْبَأْس وخوافيه ، وجلّاهم عَن المَاء ، وأحاهم بالإظماء ، وأتاهم بالأتواء ، وداوى أدواهم بالأدواء ، وناظر ناضرهم بالأدواء ، وحسر ظامئهم على الارواء ، وعثر أردياءهم فِي سبل الارداء ، حَتَّى اسْتَكَانُوا ولانوا ، وهابوا وهانوا ، واستأمنوا واستسلموا ، وَلَو أَسْلمُوا لسلموا ، فأسرهم بأسرهم ، وَأَخذهم فِي مكر مَكْرهمْ ، وَقيد مِنْهُم أقدام أقدامهم ، وأكفَّ كفرهم ، وَكَانَ ذَلِك فِي أشهر الْحَج ، فساق مِنْهُم أسيرين إِلَى منى ، كَمَا يساق الْهَدْي ، وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة ، وَمَعَهُ الأسر والسبي ، وَقد بذل وسع بالنجح ونجح السَّعْي ، وَجَاءَت الْبُشْرَى بِمَا منَّ الله بِهِ من الحظوة ، والنصرة الحلوة ، فَكتب السُّلْطَان اليه بِضَرْب رقابهم ، وَقطع أسبابهم ، بِحَيْثُ لَا يبْقى مِنْهُم عين تطرف ، وَلَا أحد يخبر طَرِيق ذَلِك الْبَحْر أَو يعرف .
فصل من الانشاء الفاضلي يتَضَمَّن هَذِه النُّصْرَة فِي كتاب الى الدِّيوَان الْعَزِيز عَن السُّلْطَان مِمَّا مثله لي :
إن الابرنس خذله الله كَانَ قد عمر مراكب واستكثر عِدّتهَا وعُدّتها ، واستجد شوكتها وشكتها ، وَله مُدَّة يجْتَهد فِيهَا ، وَيعْمل ويؤمل من قصد قلعة أَيْلَة مَا يؤمل ، فَلَمَّا بلغ من كمالها مَا أمله ، وَبلغ كتاب ملاعبته أَجله ، سَار بهَا إِلَى الْبَحْر أيلة ، ورام القلعة ، فَبَاتَ بجانبها ، وهزئت بطالبها ، وَرَأى مَا لَا مطمع لَهُ فِيهِ ، وأخلفه مَا كَانَ يرتجيه ، فَعمد الى المراكب الْمشَار اليها ، فسيّر منعتها وقوتها فِي بَحر الْحجاز ، وَترك مركبين تَحت القلعة يمْنَع مورد المَاء ، ويحصر رجال القلعة عَن الاستقاء .
وَكَانَ الْملك الْعَادِل بِمصْر قد عمّر مراكب أعدها للقاء هَذِه المراكب ، وَنظر من أوّل هَذَا الْخَبَر فِيمَا يسفر عَن العواقب ، وَعرف تفرّق مراكب العدو على المَاء لتمنعه ، وعَلى طَرِيق الْحَاج لتقطعه ، فَجهز إلى القلعة من ظفر بالمركبين لوقت الاطلال عَلَيْهِمَا ، وَسَاعَة الْوُصُول اليهما ، وَكفى الله أهل الدّين مؤونة من حمى المَاء عَن الحائمين ، وَقطع الله بأوليائه المطيعين ، دابر اعدائه الظَّالِمين .
وسارت هَذِه المراكب الإسلامية ، طالبة شَوْكَة المراكب الحربية ، المتعرضة للمراكب الحجازية واليمنية ، وَكَانَت مراكب الْعَدو قد أوغلت فِي الْبَحْر ، ودلها على عورات الساحلين من الْعَرَب من أشبه ركابهَا فِي الْكفْر ، فوصلت إِلَى عيذاب ، فَلم تنَلْ مِنْهَا مرَاداً ، وَلَا أنجحت مِنْهَا ارتياداً ، غير أَنَّ من وجدته فِي طريقها من المراكب أَو من عبرت بِهِ فِي فَرْضه عيذاب نَالَتْ مِنْهُ ، وشعثت وأفسدت فِيهِ ، وعتت وتمادت فِي السَّاحِل الحجازي الى رابغ الى سواحل الْحَوْرَاء ، وَهُنَاكَ وَقع عَلَيْهَا أصحابنا وأوقعوا بهَا أَشد الايقاع ، وَأخذُوا المراكب الفرنجية بأسرها على حكم البدار والاسراع ، وفرَّ فرنجها إِلَى السَّاحِل ، فَركب أَصْحَابنَا وَرَاءَهُمْ خُيُول العربان الَّتِي وجدوها ، وأسروا الْكفَّار من شعاب وجبال اعتصموا بهَا ، وقصدوها وكُفي الْمُسلمُونَ أشدَّ فَسَاد فِي أَرضهم ، وأقطع قاطع لفرضهم ، وانبسطت آمالهم بقبضهم ، وعميت على الْكفَّار هَذِه الطَّرِيق الَّتِي لَو كشف لَهُم غطاؤها قدما وَلَو أحاطوا بهَا علما لَاشتطت نكايتهم ، واشتدت جنايتهم ، وَعزَّ على قدماء مُلُوك مصر أَن يصرعوا هَذِه الاقران ، ويطفئوا هَذِه النيرَان ، ويركبوا عورات اللجج ، ويرخصوا غوالي المهج ، ويقتنصوا هَذَا الطَّائِر من جوّه الَّذِي لَا يدْرك لوحه ، ويدركوا هَذَا الْعَدو الذى لَا يدْرك إلّا أَن ينجد عَلَيْهِ مَلَائِكَة الله وروحه ، وَنَرْجُو من الله فراغاً ، نجد بِهِ بلاغا ، إِلَى مَا يؤمله من استئصال هَذِه الشأفة ، وشفاء الممطول بهَا من غلل الكافة .
وَكَانَ الْملك الْعَادِل بِمصْر قد عمّر مراكب أعدها للقاء هَذِه المراكب ، وَنظر من أوّل هَذَا الْخَبَر فِيمَا يسفر عَن العواقب ، وَعرف تفرّق مراكب العدو على المَاء لتمنعه ، وعَلى طَرِيق الْحَاج لتقطعه ، فَجهز إلى القلعة من ظفر بالمركبين لوقت الاطلال عَلَيْهِمَا ، وَسَاعَة الْوُصُول اليهما ، وَكفى الله أهل الدّين مؤونة من حمى المَاء عَن الحائمين ، وَقطع الله بأوليائه المطيعين ، دابر اعدائه الظَّالِمين .
وسارت هَذِه المراكب الإسلامية ، طالبة شَوْكَة المراكب الحربية ، المتعرضة للمراكب الحجازية واليمنية ، وَكَانَت مراكب الْعَدو قد أوغلت فِي الْبَحْر ، ودلها على عورات الساحلين من الْعَرَب من أشبه ركابهَا فِي الْكفْر ، فوصلت إِلَى عيذاب ، فَلم تنَلْ مِنْهَا مرَاداً ، وَلَا أنجحت مِنْهَا ارتياداً ، غير أَنَّ من وجدته فِي طريقها من المراكب أَو من عبرت بِهِ فِي فَرْضه عيذاب نَالَتْ مِنْهُ ، وشعثت وأفسدت فِيهِ ، وعتت وتمادت فِي السَّاحِل الحجازي الى رابغ الى سواحل الْحَوْرَاء ، وَهُنَاكَ وَقع عَلَيْهَا أصحابنا وأوقعوا بهَا أَشد الايقاع ، وَأخذُوا المراكب الفرنجية بأسرها على حكم البدار والاسراع ، وفرَّ فرنجها إِلَى السَّاحِل ، فَركب أَصْحَابنَا وَرَاءَهُمْ خُيُول العربان الَّتِي وجدوها ، وأسروا الْكفَّار من شعاب وجبال اعتصموا بهَا ، وقصدوها وكُفي الْمُسلمُونَ أشدَّ فَسَاد فِي أَرضهم ، وأقطع قاطع لفرضهم ، وانبسطت آمالهم بقبضهم ، وعميت على الْكفَّار هَذِه الطَّرِيق الَّتِي لَو كشف لَهُم غطاؤها قدما وَلَو أحاطوا بهَا علما لَاشتطت نكايتهم ، واشتدت جنايتهم ، وَعزَّ على قدماء مُلُوك مصر أَن يصرعوا هَذِه الاقران ، ويطفئوا هَذِه النيرَان ، ويركبوا عورات اللجج ، ويرخصوا غوالي المهج ، ويقتنصوا هَذَا الطَّائِر من جوّه الَّذِي لَا يدْرك لوحه ، ويدركوا هَذَا الْعَدو الذى لَا يدْرك إلّا أَن ينجد عَلَيْهِ مَلَائِكَة الله وروحه ، وَنَرْجُو من الله فراغاً ، نجد بِهِ بلاغا ، إِلَى مَا يؤمله من استئصال هَذِه الشأفة ، وشفاء الممطول بهَا من غلل الكافة .
وَفِي كتاب آخر إِلَى بَغْدَاد من انشائه فِي الْمَعْنى :
كَانَ الفرنح قد ركبُوا من الْأَمر نكرا ، وافتضوا من الْبَحْر بكرا ، وظنوا أنَّ الشواغل عَنْهُم تتعرض ، والليالي دون الْيَقَظَة لمكرهم تتقرض ، وعمروا مراكب حربية شحنوها بالمقاتلة والأسلحة والازواد ، وضربوا بهَا سواحل الْيمن والحجاز وأثخنوا وأوغلوا فِي الْبِلَاد ، واشتدت مَخَافَة اهل تِلْكَ الجوانب ، بل أهل الْقبْلَة لما اومض اليهم من خلل العواقب ، وَمَا ظن الْمُسلمُونَ إلّا أنها السَّاعَة وَقد نشر مطوي أشراطها ، وَالدُّنْيَا قد طوى منشور بساطها ، وأُنتظر غضب الله لفناء بَيته الْمحرم ، ومقام خَلِيله الأكرم ، وتراث أنبيائه الأقدم ، وضريح نبيه الْأَعْظَم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، ورجوا أن تشحذ البصائر آية كآية هَذَا الْبَيْت إذ قَصده أَصْحَاب الْفِيل ، ووكلوا إلى الله الأمر وَكَانَ حسبهم وَنعم الْوَكِيل .
وَكَانَ للفرنج مقصدان أحدهما قلعة أَيْلَة الَّتِي هِيَ على فوهة بَحر الْحجاز ومداخله ، وَالْآخر الْخَوْض فِي هَذَا الْبَحْر الذى تجاوره بِلَادهمْ من ساحله ، وانقسموا فريقين وسلكوا طَرِيقين ، فَأَما الْفَرِيق الذى قصد قلعة أيلة فَإِنَّهُ قدر ان يمْنَع أهلها من مورد المَاء الَّذِي بِهِ قوام الْحَيَاة ، ويقاتلهم بِنَار الْعَطش المشبوب الشباة ، وأما الْفَرِيق القاصد سواحل الْحجاز واليمن ، فَقدر ان يمْنَع طَرِيق الْحَاج عَن حجه ، وَيمْنَع مُجيب الدعْوَة ويصرفه عَن نهجه ، ويحول بَينه وَبَين فجّه ، وَيَأْخُذ تجار الْيمن وأكارم عدن ، ويلمُّ بسواحل الْحجاز ، فيستبيح وَالْعِيَاذ بِاللَّه الْمَحَارِم ، ويهيج جَزِيرَة الْعَرَب بعظيمة دونهَا العظائم ، وَالله يعكس تَقْدِير الْمُقدر اذا كَانَ عَاصِيا ، وَيقرب حتف الْبَاغِي وان كَانَ مَوضِع حتفه قاصيا .
وَكَانَ للفرنج مقصدان أحدهما قلعة أَيْلَة الَّتِي هِيَ على فوهة بَحر الْحجاز ومداخله ، وَالْآخر الْخَوْض فِي هَذَا الْبَحْر الذى تجاوره بِلَادهمْ من ساحله ، وانقسموا فريقين وسلكوا طَرِيقين ، فَأَما الْفَرِيق الذى قصد قلعة أيلة فَإِنَّهُ قدر ان يمْنَع أهلها من مورد المَاء الَّذِي بِهِ قوام الْحَيَاة ، ويقاتلهم بِنَار الْعَطش المشبوب الشباة ، وأما الْفَرِيق القاصد سواحل الْحجاز واليمن ، فَقدر ان يمْنَع طَرِيق الْحَاج عَن حجه ، وَيمْنَع مُجيب الدعْوَة ويصرفه عَن نهجه ، ويحول بَينه وَبَين فجّه ، وَيَأْخُذ تجار الْيمن وأكارم عدن ، ويلمُّ بسواحل الْحجاز ، فيستبيح وَالْعِيَاذ بِاللَّه الْمَحَارِم ، ويهيج جَزِيرَة الْعَرَب بعظيمة دونهَا العظائم ، وَالله يعكس تَقْدِير الْمُقدر اذا كَانَ عَاصِيا ، وَيقرب حتف الْبَاغِي وان كَانَ مَوضِع حتفه قاصيا .
وَكَانَ الْأَخ سيف الدّين بِمصْر أوعز بإنشاء مراكب حربية لما علم خبر مراكب الْعَدو الْكَافِر ، وانتخبها انتخاب المتخير ، وَلم يحشدها حشد المكاثر ، وفرقها على الْفرْقَتَيْنِ ، وأمرها بِأَن تطوى وراهم الشقتَيْنِ ، فَأَما السائرة إِلَى قلعة أَيْلَة فإنّها انْقَضتْ على مرابطي منع المَاء انقضاض الْجَوَارِح على بَنَات المَاء ، وقذفتها قذف شهب السَّمَاء ، مسترقي سمع الظلماء ، وَأخذت مراكب الْعَدو برمتها ، وَقتلت أكثر مقاتليها ، إِلَّا من تعلق بهضبة وَمَا كَاد أَو دخل فِي شعب وَمَا عَاد فَإِن العربان اقتصوا آثَارهم والتزموا إحضارهم فَلم ينج مِنْهُم إِلَّا من ينْهَى عَن المعاودة وَمن قد علم أَن أَمر السَّاعَة وَاحِدَة ، وَأما السائرة إِلَى بَحر الْحجاز ، فتمادت فِي السَّاحِل الْحِجَازِي إِلَى رابغ إِلَى سواحل الْحَوْرَاء ، وطلبت شَوْكَة المراكب الحربية ، المتعرضة للمراكب الحجازية واليمنية ، وَقد أوغلت وغالت ، ووصلت وصالت ، وَأخذت تجاراً ، وأخافت رفاقاً ، ودلّها على عورات الْبِلَاد من الْأَعْرَاب من هُوَ أَشدُّ كفراً ونفاقاً ، وَهُنَاكَ وَقع عَلَيْهَا أَصْحَابنَا وَأخذت المراكب بأسرها ، فأوقعت بهَا المراكب الإسلامية أَشد الايقاع ، وَقطعت طَرِيق النجاة على الطرّاق القطّاع ، وفرَّ فرنجها بعد إسلام المراكب ، وسلكوا فِي الْجبَال مهاوى المهالك ، ومعاطن المعاطب ، وَركب أَصْحَابنَا وَرَاءَهُمْ خيل الْعَرَب ، يشلونهم شلّاً ، ويقتنصونهم أسراً وقتلا ، وَمَا زَالُوا يتبعونهم خَمْسَة أيام خيلاً ورجلاً نَهَاراً وليلاً ، حَتَّى لم يتْركُوا مِنْهُم مخبراً ، وَلم يبقوا لَهُم أثراً ، ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً ) ، وَقيد مِنْهُم إِلَى مصر مائَة وَسَبْعُونَ أسراً " أ . هــ
وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْعَادِل من كَلَام الْفَاضِل : وصل كِتَابه المؤرخ بخامس ذِي الْقعدَة ، المسفر عَن المسفر من الْأَخْبَار ، المتبسم عَن المتبسم من الْآثَار ، وَهِي نعْمَة تَضَمَّنت نعماً ، ونصرة جعلت الْحرم حرماً ، وكفاية مَا كَانَ الله ليؤخر معْجزَة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتأخيرها ، وعجيبة من عجائب الْبَحْر الَّتِي تحدث عَن تسييرها وتسخيرها ، وَمَا كَانَ الْحَاجِب لُؤْلُؤ فِيهَا إِلَّا سَهْما أصَاب وَحمد مسدده ، وسيفا قطع وشكر مجرده ، ورسولا عَلَيْهِ الْبَلَاغ ، وَإِن لم يجهل مَا أثرته يَده ، وَقد غبطناه بِأَجْر جهاده ، ونُجح اجْتِهَاده ، ركب السَّبِيلَيْنِ برّاً وبحراً ، وامتطى السَّابِقين مركباً وظهراً ، وخطا فأوسع الخطو ، وغزا فأنجح الْغَزْو ، وحبذا الْعَنَان الَّذِي فِي هَذِه الْغَزْوَة أطلق ، وَالْمَال الَّذِي فِي هَذِه الكرة أنْفق ، وَهَؤُلَاء الْأُسَارَى فقد ظَهَرُوا على عَورَة الْإِسْلَام وكشفوها ، وتطرقوا بِلَاد الْقبْلَة وتطوفوها ، وَلَو جرى فِي ذَلِك سَبَب وَالْعِيَاذ بِاللَّه ، لضاقت الْأَعْذَار إِلَى الله والخلق ، وَانْطَلَقت الألسن بالمذمة فِي الغرب والشرق ، وَلَا بُد من تَطْهِير الأَرْض من أرجاسهم ، والهواء من أنفاسهم ، بِحَيْثُ لَا يعود مِنْهُم مخبر يدل الْكفَّار على عورات الْمُسلمين ، وَإِن هَذَا الْعدَد الْقَلِيل ، قد نَالَ ذَلِك المنال الْجَلِيل ، وَهَذَا مقَام إِن روعي فِيهِ حراسة الظَّاهِر ، وَالْوَفَاء للْكَافِرِ ، حدث الفتق الَّذِي لَا يُمكن فِي كل الْأَوْقَات سَده ورتقه ، ولُدغ الْمُؤمن مرَّتَيْنِ وَالْأولَى تَكْفِي لمن لَهُ فِي النّظر تفقه .
وَفِي كتاب آخر إِلَى الْعَادِل أَيْضا : وَنحن نهنئ الْمجْلس السَّامِي بظفره ، وَلم لَا نكمله وبنصره ، وَلم لَا نشكره شكرا نعجله ، وَلَيْسَ فِي قتل هَؤُلَاءِ الْكفَّار مُرَاجعَة ، وللشرع فِي إبقائهم فسحة ، وَلَا فِي اسْتِبْقَاء وَاحِد مِنْهُم مصلحَة ، وَلَا فِي التغاضي عَنْهُم عِنْد الله عذر مَقْبُول ، وَلَا حكم الله فِي أمثالهم عِنْد أهل الْعلم بمشكل وَلَا مَجْهُول ، فليمض الْعَزْم فِي قَتلهمْ ، ليتناهى أمثالهم عَن فعلهم ، وَقد كَانَت عَظِيمَة مَا طرق الْإِسْلَام بِمِثْلِهَا ، وَقد أَتَى الله بعْدهَا بلطيفة أجراها ، على يَد من رَآهُ من أَهلهَا .
وَفِي كتاب آخر إِلَى الْعَادِل : وَقد تكَرّر القَوْل فِي معنى أُسَارَى بَحر الْحجاز ، فَلَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا ، وَلَا توردهم بعد مَاء الْبَحْر إِلَّا نَاراً ، فأقلهم إِذا بَقِي جنى الْأَمر الأصعب ، وَمَتى لم تعجل الرَّاحَة مِنْهُم وعدت الْعَاقِبَة بالأشق الأتعب .
وقال ابو الْحسن بن الذروي فِي الْحَاجِب لُؤْلُؤ في هذا النصر أشعاراً منها قوله :
مر يَوْم من الزَّمَان عَجِيــــــب ... كَاد يُبْدِي فِيهِ السرُور الجماد
إِذا أَتَى الْحَاجِب الْأَجَل بأسرى ... قرنتهم فِي طيها الأصـــــفاد
(بِجَمَــــــــال كأنهن جبـــــــال ... وعلــــــوج كَأَنَّهُمْ أطــــــواد
قلت بعد التَّكْبِيــــر لمــــا تبدى ... هَكَذَا هَكَذَا يكون الْجِــــــهَاد
حبذا لُؤْلُؤ يصيد الأعــــــــادي ... وسواه من اللآلي يصــــــاد
وَمِنْهَا :
قلت وَقد سَافَرت يَا من غَــــــدا ... جهاده يعضد من حجــــــه
(إِذْ قيل سَار الْحَاجِب المرتجى ... فِي الْبَحْر يَا رب السما نجّه
(الْبَحْر لَا يعــــــــدو على لُؤْلُؤ ... لِأَنَّهُ كَــــــــون من لجــــــه
وَمِنْهَا :
يَا حَاجِب الْمجد الَّذِي مَـــاله ... لَيْسَ عَلَيْهِ فِي الندى حجبه
وَمن دَعوه لؤلؤا عِنْدَمَــــــا ... صحت من الْبَحْر لَهُ نسبــه
لله مَا تعْمل من صَاــــــــلح ... فِيهِ وَمَا تظهر من حَسبـــه
كفيت أهل الْحَرَمَيْنِ العدى ... وذدت عَن أَحْمد والكعبـــــة
وَمِنْهَا :
لَئِن كنت من ذَا الْبَحْر يَا لُؤْلُؤ الْعلَا ... نتجت فَإِن الْجُود فِيك وَفِيه
وَإِن لم تكن مِنْهُ لأجل مذاقـــــــــه ... فَإنَّك من بَحر السماح أَخِيه
وَمِنْهَا :
إِنَّمَا أَنْت لُؤْلُؤ للمعالــــي ... جَاءَ من أبحر السماح الْعَذَاب
إِنَّمَا أَنْت لُؤْلُؤ للمعالــــي ... جَاءَ من أبحر السماح الْعَذَاب
وقال مجد الدّين مُحَمَّد بن الظهير الإربلي من قصيدة فِي مدح بعض ذُرِّيَّة السُّلْطَان رَحمَه الله تَعَالَى :
وهم سهلوا سبل الحجيج وآمنوا ... بهَا الركب خوف الْكَافِر المتشدد
وَقد ركبت فرسانه بَحر أَيْلَــــة ... يَخُوضُونَ فِي بَحر من الكيد مُزبد
قَالَ الْعِمَاد في ذكر وفاة حسام الدين لؤلؤ عام 596 هــ : " وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة من هَذِه السّنة توفّي يَعْنِي بِمصْر الْحَاجِب لُؤْلُؤ ، وَكَانَ فِي الْأَيَّام الصلاحية أَشْجَع الشجعان ، وأفرس الفرسان ، وَله مقامات فِي الْغُزَاة ، ومواقف مَعَ العداة ، وَهُوَ الَّذِي نَهَضَ وَرَاء مراكب الفرنج الناهضة فِي بَحر أَيْلَة إِلَى بر الْحجاز ، وأتى فِي كسرهم وأسرهم بالإعجاب والإعجاز ، وَكَانُوا قطعُوا الطَّرِيق فِي بَحر عيذاب على التُّجَّار ، وحصلت أَمْوَالهم تَحت الِاسْتِيلَاء بعد حصولهم تَحت الإسار ، فأنقذ واستنقذ وَمَا نزل حَتَّى أَخذ ، وسَاق إِلَى الْقَاهِرَة أُولَئِكَ الْكفَّار مقهورين واعتقلهم بهَا مأسورين .
قلت وَفِيه يَقُول الرضي بن أبي حَصِينَة الْمصْرِيّ يُخَاطب الفرنج :
قلت وَفِيه يَقُول الرضي بن أبي حَصِينَة الْمصْرِيّ يُخَاطب الفرنج :
عَدوكُمْ لُؤْلُؤ وَالْبَحْـــر مَسْكَنــــــه ... والدر فِي الْبَحْر لَا يخْشَى من الْغَيْر
فَأمر حسامك أَن يحظى بنحرهم ... فالدُّرُّ مذ كَانَ مَنْسُــــوب إِلَى النحر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق