قال المرادي في رحلته إلى بلاد الحرمين في وقد مرَّ بهذه المواضع في شهر ذي القعدة عام 1148 هــ : " سطح العقبة : وبتنا والحمد لله آمنين على المال ، والرفقة ، ثم ارتحلنا قرب الفجر ، واحتسبنا على الله الأجر ، فلما بزغ الصبح لذي عينين ، وأطل بنسيمه ذو أنين ، أنيخت الركاب ، وذلك حين وصول أولها إلى أول العقاب .
فصلى الناس الصبح وجعلت الإبل ، تسلك فيها شيئاً فشيئاً على مهل وكثرة وجل ، ومنذ صليت الصبح ترجّلت وأتيت عند طلوع الشمس إلى المرقبة ، وشرعت في نزول العقبة .
فما صليت الظهر حتى وصلت إلى البحر ، بعدما جلست في الطريق مرّتين جلستين طويلتين ، وأتيت الدار قبل العصر ، فصليت هنالك العصر والمغرب والعشاء ، وحينئذ وصلت جمالنا فانظر ما أصعب هذه العقبة ؟
وما السلوك فيها بالجمال ، ذوات الأحمال ، الكثيرة الأفعال ، إلّا بركة للحجيج وسقيه ، وكيف لا ؟! وهي عقبة أيلة ، التي قديما قيل فيها :
بطريق أيلة أجبلٌ وعقابُ
لا يرتجي فيها النجاة عُقاب
وكأنما الماشي عليها مذنبٌ
وكأنّما تلك العقابِ عقابُ
وقد قيل فيها أو في مثلها :
سلكنا عقاباً في الطريق كأنّها
صياح ديوك وأنف عقابِ
ما ذاك إلا أن أحاط بي
فكان عقابي في سلوك عقاب
على أنها اليوم قد نُحتت وسُويت ، وحافتيها المخوفة ، ببناءٍ متقنٍ قد بنيت ، ومع ذلك لا تسلك إلّا برهبة ودعاء ورغبة ، ومع صعوبتها فيها الخوف الشديد من الأعراب ، أن يقعدوا على المضيق ، فلا يقدر أحد على الذهاب ، ولا على الإياب .
فلذلك ترى الجند والعسكر يبصرون ، ويتقدمون إلى مضائقها ويعسكرون ، وقد سلّمنا ولله الحمد من أعرابها وصعابها وشعابها .
وبتنا ليلتنا تلك عند بندر العقبة ، وهو حفر قصير في قرية على سطح البحر في سفح جبل ، وبها آبار كثيرة ، مياهها عذبة غزيرة ، وبها أيضا نخيل كثير ، وتقام هنالك سوق كبيرة ، يحضرها أهل غزة ، بأنواع الفواكه والنعم ، والأعراب بالسمن والعسل والنعم فأقمنا هنالك الغد ، وليلته جمعاء ، وبعد الغد إلى الزوال ، شرعنا في سير الليل وعند الزوال ، يكون الارتحال ، فارتحلنا من هنالك في أضيق المسالك يلي البحر والجبل لا يمر فيه إلا جمل الرجل فمررنا من آخر النهار بموضع يقال له : ظهر الحمار وهي بسيط من الأرض ، أي شيء مرتفع يطلع عليه من مسلكين ، لا يخلوان من صعوبة ، وتحته على ساحل البحر أحياء كثيرة في وسط حدائق نخل ، وما بذلك المحل أكله طيب .
ويقال لها اليوم : حفائر النخل ، ولم ننزل بهذا المحل ، بل تعديناه حتى زاحم وقت المغرب ، فأناخوا الركب كله من غير خط ، فصلى الناس المغرب .
وتعشوا وأناروه إلى أن تمكن وقت العشاء غاية التمكن ، فأوقفوا الركب حتى صلى العشاء ، وساروا حتى قرب الفجر ، فوصلنا إلى موضع يقال له عش الغراب ويقال له أيضا شرفات بني عطية وبنو عطية هم عرب هذه البلاد كلها في هذا الوقت " أ . هــ
وقال : " سمحت سليقة عبد المجيد بن علي بن محمد الحسيني المنالي الصوفي ، بلغه الله أمله وتقبل عمله ، بقصيدة مشتملة على مراحل الحجاز ، وذكر المناسك على سبيل الإيجاز ، وبيان الآثار والمشاهد ، وغير ذلك من الفوائد :
في بركة بركت بنا الأكوار
لما رمتا للفلا الأمصار
وتدانت الحمراء فقراً بعدها
عجرود فيه الماء لا يختار
إن النواظر إن قطعت جميعها
فانزل بواد الرمل لا ينهار
وأنزل بواد التيه وأحذر سیله
وأواره فيه الدليل يحار
وابرد غليلك في النخيل ببندر
بئر الصعاليك بعد ذاك وجار
وانزل بسطح واستعد لبرده
فابصر بدينه لنا الإجار
وإذا سلكت عقاب آيلة سالماً
وأتيت ببندرها فثم قرار
ظهر الحمار اقطعه لا تنزل به
شرافة لبني عطية دار
وبواد مدين في مغار شعيبهم
حط الرحال فماؤها جرجار
وإذا العيون رأيتها لا تعدها
ما للعيون من العيون يفار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق