تهتم هذه المدونة وتعنى بتاريخ وتراث وأعلام العقبة وجوارها

الأحد، 13 مايو 2018

مذبحة ثقيف في أيلة ( العقبة ) عام 5 هــ


 في العام الخامس من الهجرة سار المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قِسِّي وهو ثقيف الثقفيّ ، وهو من الأحلاف وهم بنو عوف بن ثقيف مع قوم من بني مالك بن حطيط بن جشم بن ثقيف ، وكانوا ثلاثة عشر رجلاً ، وفيهم رجلان آخران ، فكان عدد الجميع بما فيهم المغيرة 16 رجلاً ، إلى المقوقس في الإسكندرية في العام الخامس للهجرة ، فقدمّ المقوقس بني مالك عليه مما أثاره فدبّر للتخلّص منهم والاستيلاء على العطايا التي منحها المقوقس لبني مالك ، فلمّا عادوا عبر درب الحاج المصري ووصلوا إلى بُساق وهو رأس عقبة أيلة التي تُعرف في زماننا هذا برأس النقب غرب مدينة أيلة فقتل المالكيّين جميعاً ولم يبق إلّا الرجلان الآخران ، ثمّ أخذ اسلاب القتلى وسار إلى المدينة المنوّرة وأسلم ، وفيما يلي تفصيل الخبر :

قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ : كُنَّا قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِنَا ، وَنَحْنُ سَدَنَةُ اللَّاتِ ، فَأَرَانِي لَوْ رَأَيْتُ قَوْمَنَا قَدْ أَسْلَمُوا مَا تَبِعْتُهُمْ ، فَأَجْمَعَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي مَالِكٍ الْوفُودَ عَلَى الْمُقَوْقِسِ ، وَأَهْدَوْا لَهُ هَدَايَا ، فَأَجْمَعْتُ الْخُرُوجَ مَعَهُمْ ، فَاسْتَشَرْتُ عَمِّي عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ ، فَنَهَانِي وَقَالَ: لَيْسَ مَعَكَ مِنْ بَنِي أَبِيكَ أَحَدٌ ، فَأَبَيْتُ إِلَّا الْخُرُوجَ ، فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مِنَ الْأَحْلَافِ غَيْرِي حَتَّى دَخَلْنَا الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ ، فَإِذَا الْمُقَوْقِسُ فِي مَجْلِسٍ مُطِلٍّ عَلَى الْبَحْرِ ، فَرَكِبْتُ زَوْرَقًا حَتَّى حَاذَيْتُ مَجْلِسَهُ ، فَنَظَرَ إِلَيَّ ، فَأَنْكَرَنِي ، وَأَمَرَ مَنْ يَسْأَلُنِي مَنْ أَنَا ؟ وَمَا أُرِيدُ ؟ فَسَأَلَنِي الْمَأْمُورُ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِنَا وَقُدُومِنَا عَلَيْهِ ، فَأَمَرَ بِنَا أَنْ نَنْزِلَ فِي الْكَنِيسَةِ وَأَجْرَى عَلَيْنَا ضِيَافَةً ، ثُمَّ دَعَا بِنَا ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ ، فَنَظَرَ إِلَى رَأْسِ بَنِي مَالِكٍ ، فَأَدْنَاهُ إِلَيْهِ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ : أَكَلُّ الْقَوْمِ مِنْ بَنِي مَالِكٍ ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنَ الْأَحْلَافِ ، فَعَرَّفَهُ إِيَّايَ ، فَكُنْتُ أَهْوَنَ الْقَوْمِ عَلَيْهِ ، وَوَضَعُوا هَدَايَاهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَسُرَّ بِهَا ، وَأَمَرَ بِقَبْضِهَا ، وَأَمَرَ لَهُمْ بِجَوَائِزَ ، وَفَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَقَصَّرَ بِي ، فَأَعْطَانِي شَيْئًا قَلِيلًا لَا ذِكْرَ لَهُ ، وَخَرَجْنَا فَأَقْبَلَتْ بَنُو مَالِكٍ يَشْتَرُونَ هَدَايَا لِأَهْلِيهِمْ وَهُمْ مَسْرُورُونَ وَلَمْ يَعْرِضُ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ مُوَاسَاةً ، وَخَرَجُوا ، وَحَمَلُوا مَعَهُمُ الْخَمْرَ ، فَكَانُوا يَشْرَبُونَ وَأَشْرَبُ مَعَهُمْ ، وَتَأْبَى نَفْسِي تَدَعُنِي يَنْصَرِفُونَ إِلَى الطَّائِفِ بِمَا أَصَابُوا وَمَا حَبَاهُمُ الْمَلِكُ ، وَيُخْبِرُونَ قَوْمِي بِتَقْصِيرِهِ بِي وَازْدِرَائِهِ إِيَّايَ ، فَأَجْمَعْتُ عَلَى قَتَلِهِمْ ، فَلَمَّا كُنَّا بِبَسَاقَ تَمَارُضْتُ وَعَصَبْتُ رَأْسِي ، فَقَالُوا لِي : مَا لَكَ ؟، قُلْتُ : أُصْدَعُ ، فَوَضَعُوا شَرَابَهُمْ ، وَدَعُونِي ، فَقُلْتُ : رَأْسِي يُصْدَعُ وَلَكِنِّي أَجْلِسُ فَأَسْقِيكُمْ ، فَلَمْ يُنْكِرُوا شَيْئًا، فَجَلَسْتُ أَسْقِيهِمْ وَأَشْرَبُ الْقَدَحَ بَعْدَ الْقَدَحِ ، فَلَمَّا دَبَّتِ الْكَأْسُ فِيهِمُ اشْتَهَوُا الشَّرَابَ ، فَجَعَلْتُ أَصْرِفُ لَهُمْ وَأَنْزِعُ الْكَأْسَ فَيَشْرَبُونَ وَلَا يَدْرُونَ ، فَأَهْمَدَتْهُمُ الْكَأْسُ حَتَّى نَامُوا مَا يَعْقِلُونَ ، فَوَثَبْتُ إِلَيْهِمْ ، فَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعاً ، وَأَخَذْتُ جَمِيعَ مَا كَانَ مَعَهُمْ ، فَقَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم ، فَأَجِدُهُ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَعَلَيَّ ثِيَابُ سَفَرِي ، فَسَلَّمْتُ بِسَلَامِ الْإِسْلَامِ ، فَنَظَرَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ ، وَكَانَ بِي عَارِفًا ، فَقَالَ : ابْنُ أَخِي عُرْوَةُ ؟ ، قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ، جِئْتُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْإِسْلَامِ " ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَمِنْ مِصْرَ أَقْبَلْتُمْ ؟، قُلْتُ : نَعَمْ، قَالَ : فَمَا فَعَلَ الْمَالِكِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَكَ ؟ ، قُلْتُ : كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْعَرَبِ وَنَحْنُ عَلَى دِينِ الشِّرْكِ ، فَقَتَلْتُهُمْ ، وَأَخَذْتُ أَسْلَابَهُمْ ، وَجِئْتُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم لِيُخَمِّسْهَا أَوْ يَرَى فِيهَا رَأْيَهُ ، فَإِنَّمَا هِيَ غَنِيمَةٌ مِنْ مُشْرِكِينَ ، وَأَنَا مُسْلِمٌ مُصَدِّقٌ بِمُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم : " أَمَّا إِسْلَامُكَ فَقَبِلْتُهُ ، وَلَا آخُذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئاً ، وَلَا أُخَمِّسْهُ لِأَنَّ هَذَا غَدْرٌ ، وَالْغَدْرُ لَا خَيْرَ فِيهِ " ، قَالَ : فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ ، وَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَتَلَتُهُمْ وَأَنَا عَلَى دِينِ قَوْمِي ، ثُمَّ أَسْلَمْتُ حَيْثُ دَخَلْتُ عَلَيْكَ السَّاعَةَ ، قَالَ : " فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ " قَالَ : وَكَانَ قَتَلَ مِنْهُمْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ ، فَبَلَغَ ثَقِيْفاً بِالطَّائِفِ ، فَتَدَاعَوْا لِلْقِتَالِ ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَحْمِلَ عَنِّي عُرْوَةُ بنُ مَسْعُوْدٍ ثَلاَثَ عَشْرَةَ دِيَةً .
وَأَقَمْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اعْتَمَرَ عُمْرَةَ الحُدَيْبِيَةِ ، فَكَانَتْ أَوَّلَ سَفْرَةٍ خَرَجْتُ مَعَهُ فِيْهَا .
وَكُنْتُ أَكُوْنُ مَعَ الصِّدِّيْقِ ، وَأَلْزَمُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْمَنْ يَلْزَمُهُ .
قَالَ : وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ عُرْوَةَ بنَ مَسْعُوْدٍ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُكَلِّمَهُ ، فَأَتَاهُ ، فَكَلَّمَهُ ، وَجَعَلَ يَمَسُّ لِحْيَتَهُ ، وَأَنَا قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُوْلِ اللهِ مُقَنَّعٌ فِي الحَدِيْدِ .
وقال الواقدي : " طفق عروة وهو يكلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يمسّ لحيته والمغيرة قائم على رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالسيف ، على وجهه المغفر فطفق المغيرة كلّما مسّ لحية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قرع يده ، و يقول : أكفف يدك عن مسّ لحية رسول اللّه قبل ألّا تصل إليك ! فلمّا أكثر عليه غضب عروة فقال : ليت شعري من أنت يا محمد من هذا الذي أرى من بين أصحابك ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة . قال : و أنت بذلك يا غدر ؟ واللّه ما غسلت عنك غدرتك إلّا بعكاظ أمس ! لقد أورثتنا العداوة من ثقيف‌ إلى آخر الدهر ! يا محمّد ، أ تدرى كيف صنع هذا ؟ إنه خرج في ركب من قومه ، فلما كانوا ببساق وناموا فطرقهم فقتلهم وأخذ حرائبهم وفرّ منهم  .
و كان المغيرة خرج مع نفر من بنى مالك بن حطيط بن جشم بن قسىّ والمغيرة أحد الأحلاف  ومع المغيرة حليفان له يقال لأحدهما دمّون ــ رجل من كندة ــ والآخر الشّريد ، وإنما كان اسمه عمرو ، فلمّا صنع المغيرة بأصحابه ما صنع شرّده فسمّى الشّريد . وخرجوا إلى المقوقس صاحب الإسكندرية ، فجاء بنى مالك وآثرهم على المغيرة فأقبلوا راجعين ، حتى إذا كانوا ببساق  شربوا خمراً ، فكفّ المغيرة عن بعض الشراب وأمسك نفسه ، و شربت بنو مالك حتى سكروا ، فوثب عليهم المغيرة فقتلهم ، وكانوا ثلاثة عشر رجلاً . فلمّا قتلهم ونظر إليهم دمّون تغيّب عنهم ، وظنّ أنّ المغيرة إنما حمله على قتلهم السّكر ، فجعل المغيرة يطلب دمّون ويصيح به فلم يأت ، ويقلّب القتلى فلا يراه فبكى ، فلما رأى ذلك دمّون خرج إليه فقال المغيرة : ما غيّبك ؟ قال : خشيت أن تقتلني كما قتلت القوم .
قال المغيرة : إنما قتلت بنى مالك بما صنع بهم المقوقس . قال : و أخذ المغيرة أمتعتهم وأموالهم ولحق بالنبي صلّى اللّه عليه و سلّم ، فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم : " لا أخمسه ، هذا غدر ! "
و ذلك حين أخبر النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم خبرهم . وأسلم المغيرة ، وأقبل الشّريد فقدم مكّة فأخبر أبا سفيان ابن حرب بما صنع المغيرة ببني مالك ، فبعث أبو سفيان معاوية بن أبى‌ سفيان إلى عروة بن مسعود يخبره الخبر ــ وهو المغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن معتّب ــ فقال معاوية : خرجت حتى إذا كنت بنعمان قلت في نفسي : أين أسلك ؟ إن سلكت‌ ذا غفار فهي أبعد وأسهل ، وإن سلكت ذا العلق فهي أغلظ وأقرب . فسلكت ذا غفار فطرقت عروة بن مسعود بن عمرو المالكي ، فو اللّه ما كلّمته منذ عشر سنين والليلة أكلّمه .
قال : فخرجنا إلى مسعود فناداه عروة فقال : من هذا ؟ فقال : عروة .
فأقبل مسعود إلينا وهو يقول : أطرقت عراهية أم طرقت بداهية ؟ بل طرقت بداهية ! أقتل ركبهم ركبنا أم قتل ركبنا ركبهم ؟ لو قتل ركبنا ركبهم ما طرقني عروة بن مسعود !
فقال عروة : أصبت ، قتل ركبى ركبك يا مسعود ، أنظر ما أنت فاعل ! فقال مسعود : إني عالم بحدة بني مالك وسرعتهم إلى الحرب فهبني صمتاً . قال : فانصرفنا عنه ، فلمّا أصبح غدا مسعود فقال : بنى مالك ، إنه قد كان من أمر المغيرة بن شعبة أنه قتل إخوانكم بنى مالك فأطيعوني وخذوا الدّية ، اقبلوها من بنى عمّكم و قومكم . قالوا : لا يكون ذلك أبداً ، واللّه لا تقرّك الأحلاف أبدا حين تقبلها . قال : أطيعوني واقبلوا ما قلت لكم ، فواللّه لكأني بكنانة بن عبد يا ليل قد أقبل تضرب درعه روحتي رجليه ، لا يعانق رجلا إلّا صرعه ، واللّه لكأني بجندب بن عمرو وقد أقبل كالسّيد عاضّاً على سهم مفوّق بآخر ، لا يسير إلى أحد بسهمه إلّا وضعه حيث يريد ! فلما غلبوه أعدّ للقتال واصطفّوا .
أقبل كنانة بن عبد يا ليل يضرب درعه روحتي رجليه يقول : من مصارع ؟ ثم أقبل جندب بن عمرو عاضّا سهما مفوّقا بآخر . قال مسعود : يا بنى مالك أطيعوني ! قالوا : الأمر إليك ! قال : فبرز مسعود بن عمرو فقال : يا عروة بن مسعود اخرج إلىّ ! فخرج إليه فلمّا التقيا بين الصّفّين قال : عليك ثلاث عشرة ديّة ، فإنّ المغيرة قد قتل ثلاثة عشر رجلا فاحمل بدياتهم . قال عروة : حملت بها ، هي علىّ ! قال : فاصطلح الناس . قال الأعشى أخو بنى بكر بن وائل :
تحمّل عروة الأحلاف لمّا ..... رأى أمرا تضيق به الصّدور
ثلاث مئين عاديـــة وألفا ..... كذلك يفعل الجلد الصّبــــور

قلت : عروة بن مسعود بن معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي هو عمّ والد المغيرة بن شعبة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق