تهتم هذه المدونة وتعنى بتاريخ وتراث وأعلام العقبة وجوارها

السبت، 7 أبريل 2018

من أمثال أيلة ( العقبة ) : كعكتان وزينب !


كانت أيلة ( العقبة ) من مواطن بني أميّة من قريش في الإسلام . قال المقريزي : " كانت في الإسلام منزلا لبني أمية ، وأكثرهم موالي عثمان بن عفان " أ . هــ ، وقاله الحميري .
وكان من رجالات بني أميّة الذين نزلوها يحيى بن الحكم بن العاصي بن أميّة ، وهو عمّ الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان .
وكانت زينب بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي بارعة الجمال فاتنة ، وكان يقال لها : الموصولة ؛ لحُسْنِها ولين جسدها ؛ كأنَّ كل عُضْوٍ منها خُلِقَ على حِدَتِهِ ، ثم وُصِلَتْ بعدُ .


فلمّا مات عنها زوجها أَبَانِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ دَخَلَ عَلَيْهَا عَبْدُ الْمَلِكِ مَرْوَانَ فَرَآهَا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ ، فَكَتَبَ إِلَى أَخِيهَا الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وهي أخت المغيرة لأمه وأبيه يَأْمُرُهُ بِالشُّخُوصِ إِلَيْهِ ، وكتب إليه أن يلحق به ، وكان بفلسطين أو بالأردن .

فَشَخَصَ إِلَيْهِ المُغيرة ليُزوِّجَها منه ، فَنَزَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ يَحْيَى : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا بَعَثَ إِلَيْكَ لِتُزَوِّجَهُ أُخْتَكَ زَيْنَبَ فَهَلْ لَكَ فِي شَيْءٍ أَدْعُوكَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : هَلُمَّ فَاعْرِضْ . قَالَ : أُعْطِيكَ لِنَفْسِكَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، وَلَهَا عَلَيَّ رِضَاهَا وَتُزَوِّجْنِيهَا .
وفي رواية : قال يحيى للمغيرة بن عبد الرحمن : كم الذي تأمل من عبد الملك ؟ والله لا يزيدها على ألف دينار ولا يزيدك على خمس مئة دينار ، ولها عندي خمسون ألف دينار ، ولك عندي عشرة آلاف دينار إن زوجتنيها .
وقالت زينب لمّا خُطبت : لا أتزوّج والله أبدا إلّا من يغني أخي المغيرة ، فأرسل إليها يحيى بن الحكم : أيغنيه خمسون ألف دينار ؟ قالت : نعم . قال : فهي له ، ولك مثلها . فقالت : ما بعد هذا شيء . أرسل إلى أهلك شيئاً من طيبٍ وشيئاً من كسوةٍ .
فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ : مَا بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ ، أوتنقل إليَّ المال قبل عقد النكاح . قال : نعم . فنقل إليه المال فتجهّز المغيرة ، وسيّر ثقله ، ثم دخل على يحيى فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا على ذلك .
فلمّا قدم المغيرة على عبد الملك ، خطب إليه زينب ؛ فقال له المغيرة : مررت بعمّك يحيى بن الحكم ؛ فخطبها إليَّ ؛ فزوّجتها منه ؛ ولم أعلم أنَّ لك فيها حاجة . فأَسِفَ عبد الملك عَلَيْهَا ،
فَاصْطَفَى كُلَّ شَيْءٍ لِيَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ ، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ الْحَكَمِ : كَعْكَتَيْنِ وَزَيْنَب ! يُرِيد أَن يجتزئ بِكَعْكَتَيْنِ إِذَا كَانَتْ عِنْدَهُ زَيْنَبُ . يقول : لا أبالي إذا وجدت كعكعتين آكلهما ، وكانت عندي زينب  .
وقال يحيى :

ألا لا أبالي اليوم ما فعل الدهرُ ... إذا بقيت لي كعكتان وزينب

فغضب عليه عبد الملك ، وقال : دخل عليَّ في خطبتي ، والله لا يخطب على منبرٍ ما دمتُ حيّاً ، ولا رأى منّي ما يحبّ فأسقطه .

ويقال إنَّ عبد الملك لما تزوّجها يحيى قال : لقد تزوّجت أفوه غليظ الشفتين . فقالت زينب : هو خير من أبي الذبّان . فما له يعيبه بفمه ؟ وقال يحيى : قولوا له أقبح من فمي ما كرهت من فمك !  

فلمّا رأى عمر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف أسف عَبْد الْمَلِكِ عَلَيْهَا ، قَالَ لَهُ : أدلك عَلَى أجمل منها بنت إسماعيل بْن هِشَام ، وهو عندك ، فخطبها فتزوجها .
ثمّ إنَّ عبد الملك بن مروان فرض الصداق أربع مائة دينار لا يُزاد عليها ، وكان ذلك بدعة منه ، وقال عبد الملك : أرى النساء يذهب بهنَّ المهور ، ولو كان المهر واحداً ما وضعت المرأة نفسها إلّا في الفضل ، وما كانت زينب تذهب إلى فلان عني . فكتب لا يُزاد في المهر على أربعمائة دينار . فكان يقال لذلك الرجل ــ أي يحيى ــ : خربت نفسك . فيقول : كعكات زينب أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها . وكانت توصف بشيء عجيب . وكانت أحسن الناس وجهاً وقدّاً ، وكأن أعلاها قضيب ، وأسفلها كثيب ، فكانت تسمى الموصلة .

وأصبحت هذه الكلمة : ( كعكتان وزينب ) من أمثال العرب في الاستغناء ببعض الأمور عن كلّ ما سواها .
وأصبح هذا الخبر ممّا يُغمز به عبد الملك . دخل ثابت بن عبد الله بن الزبير على عبد الملك بن مروان ، فقال عبد الملك : ما ثابت من الأسماء ؟ والله ما هو باسم رجل ولا امرأة ! فقال ثابت : لا ذنب يا أمير المؤمنين للرجل فيما سمّاه أبواه ، ولو كان اسمي إليّ لتسمّيت زينب حتى تحبني ! يعرض له بزينب التي يقال : زينب وكعكتان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق