في القرن التاسع عشر كلّفت بريطانيا جمهرة من علمائها لاستكشاف بلاد العرب والترحال فيها وخاصّة في فلسطين والأردن وسيناء ومعرفة كلّ ما يخصّ الأرض والإنسان ، فجابوا هذه الديار ودوّنوا كل ما أمكن عن مواضعها وسكّانها مع محاولة ربط أسماء الأماكن فيها بما ورد في التوراة وغيرها من الكتب اللاهوتية اليهودية والنصرانية بما يخدم فكرة طريق خروج بني إسرائيل من ديار مصر نحو الأرض المقدّسة في فلسطين ، وقد نتج عن هذا أعمال ضخمة قدّمت كمّاً كبيراً من المعلومات ، فيها الغثّ والسمين ، وهي جهود يجب الاستفادة منها ، مع التمحيص والتحقيق ، وقد كانت اللغة العربية في كثير من الأحيان سبباً في تحريف هؤلاء للأسماء من أفراد وجماعات واماكن لعدم وجود بعض الأحرف العربية في اللغة الإنجليزية ، وفي أحيانٍ أخرى كان التحريف متعمّداً لتحقيق غايات تخدم أغراض القوم .
من بين هؤلاء العلماء اللواء السير تشارلز وليام ويلسون ) 1836 ــ 1905 م ) الضابطً في الجيش البريطاني ، والجغرافيًا وعالم الآثار المعروف الذي كانت له مساهمته في الجهود البريطانية في استكشاف فلسطين وسيناء وغيرها ويعنينا هنا ما قاله وكتبه بخصوص العقبة وفيما يلي نصّ ما قاله بحرفه :
من بين هؤلاء العلماء اللواء السير تشارلز وليام ويلسون ) 1836 ــ 1905 م ) الضابطً في الجيش البريطاني ، والجغرافيًا وعالم الآثار المعروف الذي كانت له مساهمته في الجهود البريطانية في استكشاف فلسطين وسيناء وغيرها ويعنينا هنا ما قاله وكتبه بخصوص العقبة وفيما يلي نصّ ما قاله بحرفه :
قال تشارلز وليام ويلسون : " في السجلات أن : " الملك سليمان ابتنى أسطولاً من السفن في هزيون جيبير Ezion Geber عند شاطئ البحر الأحمر، في " أرض أدوم " ( الملوك 26 .Kings ix ). لكن شيئاً من ذلك الميناء البحري القديم لم يبق اليوم ، إلّا أنَّ موقعه ربّما يكون في موقع نبع ماء مالح يدعى " عين الغودیان " مقابل واد يحمل الاسم نفسه ويجري من التلال الغربية الى وادي عربا Araba الكبير ، في نقطة تبعد عشرة أميال عن شاطئ البحر والتي ربما كانت في زمن الملك سليمان الطرف الشمالي للبحر الاحمر في أرض أدوم " ( يمكن مشاهدة تغيير آخر في موقع الشاطئ عند رأس خليج السويس ) ويتأتی برهان آخر على هذه الفرضية من الاشتقاقات والمرادفات اللغوية للإسم . فاللفظة العبرية هزيون Ezion، في أصلها ، واللفظة العربية ، الغودیان ، تتقابلان حرفاً حرفاً كما أنهما متطابقتان صوتية ، كما يشير البروفسور بالمر Palmer " ديانا " ، الصيغة الرومانية للإسم كما يظهر في ألواح بيتينغر Pettinger Table . ففي هذه الألواح تبعد دیانا ( هزيون ) 16 میلاً رومانيا أي 14 ميلا إنجليزية ونصف الميل من " هایلا " ( إيلات ) وهو موقع يتطابق تماما مع الغوديان التي مررنا بها .
أما بخصوص ( إيلات ) فليس هناك خلاف على موقعها فما زال موقعها محددا بتلال عالية من الركام عند رأس خليج العقبة ، وعند التجويفة الشرقية للخليج وتاريخ هذا المكان معروف ومتفق عليه منذ استخدمه سليمان كميناء بحري . وكان السوريون في عهد أهاز Ahaz قد سيطروا عليه وطرد منه اليهود ( الملوك 6.xvi ) . وذكر المكان تكراراً لدى المؤرخين الإغريق والرومان تحت اسم " إيلاه " أو إيلينا AElena ، وكان مقرّاً لفيلق روماني . وكان في عهد جيروم طريقا للتجارة مع الهند . ومع اقتراب الجيوش المنتصرة لخلفاء محمد سنة 630 م ، استسلم جون ( حنّا ) الملك المسيحي على " إيلا " دونما قتال ودفع الجزية وبقي المكان مهملاً وتضاءلت أهميته تدريجياً . إلّا أنّه في سنة 1116 احتلّه بلدوين الأول مع 200 رجل من أتباعه بعدما وجده مهجوراً . وفي سنة 1167 استعاده صلاح الدين وبقي كذلك منذ ذلك الحين ، رغم أن الفارس المشاكس رينالد شاتيون تمكن من احتلال البلدة، في وقت ما لبضعة أيام .
تمثل إيلاه ، أو " عقبة إيلاه " في الاسم الحديث لمدينة إيلات ، إحدى أهم المحطات على طريق الحجّ المصري . أي قافلة الحجّاج السنوية من القاهرة الى مكة ، تقوم أهمية البلدة اليوم في وظيفتها تلك تحديداً . ولا يقوم في المكان اليوم غير حصن ضخم يسمى " قلعة العقبة " ، يحتمل أنها ابتنيت في القرن السادس عشر جنوب تلال الركام التي أشرنا إليها . وهي مقر الحاكم ومعه سرية جند صغيرة بهدف حفظ ولاء القبائل المجاورة وتأمين أمن قوافل الحج. والقلعة مربعة الشكل ، وجدرانها سميكة عالية ، مع أبراج ناتئة على الزوايا وتقوم في الجوار آبار مياه عذبة . كما تحيط بها غابة من أشجار النخيل . وهناك في الداخل ، وحول الجدران صوامع أو غرف صغيرة مع سقوف مسطحة أنشئت فوقها أكواخ من أغصان النخيل ويشتق الاسم الحديث للمكان " العقبة " من العقبة الحادة والطويلة القائمة عند الجبال الغربية على طريق الحجّ وغير بعيد عن موقع العقبة ( ايلات ) ، وتاريخها ، تقوم جزيرة فرعون ، الجميلة . تبعد الجزيرة عن حصن العقبة حوالي تسعة أميال إلى الجنوب والجنوب الغربي ، وحوالي نصف الميل عن الشاطئ الغربي المقابل . ويقول الكابتن ر . ف . بورتن الذي زار الجزيرة أخيراً ، إنَّ سكان العقبة يدعونها ببساطة " جبل القلعة " ، إلّا أن للجزيرة في الواقع غير اسم محير ؛ " القري " Elkurey والقرية ويدعوها لابورد laborde " الغراي " EIGraie . وهي عبارة عن جبل صخري من الغرانيت ، يحيط به خندق بروفيري متآكل ، وفيها عروق من الكوارتز الملون المشع يبلغ طولها حوالي 340 ياردة وعرضها 150 یاردة ، وتتألف من مرتفعين يصل بينهما برزخ صغير . والمرتفع الشمالي هو الأعلى ، ويرتفع حوالي 100 یاردة عن مستوى سطح البحر . و يحيط بالجزيرة ريف مرجاني . ويقوم على أقصى الطرف الشمالي برج وعلى المرتفع الشمالي قلعة يحميها سور . وهناك في الجزء الأعلى خزان تحت الأرض فيه قنطرتان يفصلهما عامود طويل . وفي الأسفل ميناء صغير ، وممرّ دائري مغطى يسمح لحرس الجزيرة أن يلتف بأمان حول قاعدة الجزيرة . وتقوم في المرتفع الجنوبي انشاءات مشابهة لكنها أصغر حجما .
وبحسب الكابتن بيرتون ، الذي نستمد منه هذا الوصف فالقلعة أوروبية النمط، أبتنیت أيام الصليبيين بعدما احتلوا العقبة وبغرض الدفاع عنها ، ولكن يحتمل أنها تقوم على أسس رومانية سابقة ، وكذا الرومانية فوق أسس مصرية أقدم عهداً . أما الإنشاءات السراسنية فتعود إلى أيام حكم صلاح الدين الذي طرد الصليبيين سنة 1167 ميلادية . وسنة 1182 حاصر رنیالد شاتييون الجزيرة لبعض الوقت ولكن دونما نتيجة ، وكانت الجزيرة في عهد " أبو الفدي " نحو سنة 1300 م مهجورة وانتقل الحاكم الى القلعة القائمة على اليابسة ، قلعة العقبة ؛ ممّا يعني أن الأبنية كلها إنما ابتنيت قبل ذلك التاريخ . وظلت الجزيرة لقرون إمّا مقفرة أو ملجأ لصيادي السمك وللقراصنة .
أما بخصوص ( إيلات ) فليس هناك خلاف على موقعها فما زال موقعها محددا بتلال عالية من الركام عند رأس خليج العقبة ، وعند التجويفة الشرقية للخليج وتاريخ هذا المكان معروف ومتفق عليه منذ استخدمه سليمان كميناء بحري . وكان السوريون في عهد أهاز Ahaz قد سيطروا عليه وطرد منه اليهود ( الملوك 6.xvi ) . وذكر المكان تكراراً لدى المؤرخين الإغريق والرومان تحت اسم " إيلاه " أو إيلينا AElena ، وكان مقرّاً لفيلق روماني . وكان في عهد جيروم طريقا للتجارة مع الهند . ومع اقتراب الجيوش المنتصرة لخلفاء محمد سنة 630 م ، استسلم جون ( حنّا ) الملك المسيحي على " إيلا " دونما قتال ودفع الجزية وبقي المكان مهملاً وتضاءلت أهميته تدريجياً . إلّا أنّه في سنة 1116 احتلّه بلدوين الأول مع 200 رجل من أتباعه بعدما وجده مهجوراً . وفي سنة 1167 استعاده صلاح الدين وبقي كذلك منذ ذلك الحين ، رغم أن الفارس المشاكس رينالد شاتيون تمكن من احتلال البلدة، في وقت ما لبضعة أيام .
تمثل إيلاه ، أو " عقبة إيلاه " في الاسم الحديث لمدينة إيلات ، إحدى أهم المحطات على طريق الحجّ المصري . أي قافلة الحجّاج السنوية من القاهرة الى مكة ، تقوم أهمية البلدة اليوم في وظيفتها تلك تحديداً . ولا يقوم في المكان اليوم غير حصن ضخم يسمى " قلعة العقبة " ، يحتمل أنها ابتنيت في القرن السادس عشر جنوب تلال الركام التي أشرنا إليها . وهي مقر الحاكم ومعه سرية جند صغيرة بهدف حفظ ولاء القبائل المجاورة وتأمين أمن قوافل الحج. والقلعة مربعة الشكل ، وجدرانها سميكة عالية ، مع أبراج ناتئة على الزوايا وتقوم في الجوار آبار مياه عذبة . كما تحيط بها غابة من أشجار النخيل . وهناك في الداخل ، وحول الجدران صوامع أو غرف صغيرة مع سقوف مسطحة أنشئت فوقها أكواخ من أغصان النخيل ويشتق الاسم الحديث للمكان " العقبة " من العقبة الحادة والطويلة القائمة عند الجبال الغربية على طريق الحجّ وغير بعيد عن موقع العقبة ( ايلات ) ، وتاريخها ، تقوم جزيرة فرعون ، الجميلة . تبعد الجزيرة عن حصن العقبة حوالي تسعة أميال إلى الجنوب والجنوب الغربي ، وحوالي نصف الميل عن الشاطئ الغربي المقابل . ويقول الكابتن ر . ف . بورتن الذي زار الجزيرة أخيراً ، إنَّ سكان العقبة يدعونها ببساطة " جبل القلعة " ، إلّا أن للجزيرة في الواقع غير اسم محير ؛ " القري " Elkurey والقرية ويدعوها لابورد laborde " الغراي " EIGraie . وهي عبارة عن جبل صخري من الغرانيت ، يحيط به خندق بروفيري متآكل ، وفيها عروق من الكوارتز الملون المشع يبلغ طولها حوالي 340 ياردة وعرضها 150 یاردة ، وتتألف من مرتفعين يصل بينهما برزخ صغير . والمرتفع الشمالي هو الأعلى ، ويرتفع حوالي 100 یاردة عن مستوى سطح البحر . و يحيط بالجزيرة ريف مرجاني . ويقوم على أقصى الطرف الشمالي برج وعلى المرتفع الشمالي قلعة يحميها سور . وهناك في الجزء الأعلى خزان تحت الأرض فيه قنطرتان يفصلهما عامود طويل . وفي الأسفل ميناء صغير ، وممرّ دائري مغطى يسمح لحرس الجزيرة أن يلتف بأمان حول قاعدة الجزيرة . وتقوم في المرتفع الجنوبي انشاءات مشابهة لكنها أصغر حجما .
وبحسب الكابتن بيرتون ، الذي نستمد منه هذا الوصف فالقلعة أوروبية النمط، أبتنیت أيام الصليبيين بعدما احتلوا العقبة وبغرض الدفاع عنها ، ولكن يحتمل أنها تقوم على أسس رومانية سابقة ، وكذا الرومانية فوق أسس مصرية أقدم عهداً . أما الإنشاءات السراسنية فتعود إلى أيام حكم صلاح الدين الذي طرد الصليبيين سنة 1167 ميلادية . وسنة 1182 حاصر رنیالد شاتييون الجزيرة لبعض الوقت ولكن دونما نتيجة ، وكانت الجزيرة في عهد " أبو الفدي " نحو سنة 1300 م مهجورة وانتقل الحاكم الى القلعة القائمة على اليابسة ، قلعة العقبة ؛ ممّا يعني أن الأبنية كلها إنما ابتنيت قبل ذلك التاريخ . وظلت الجزيرة لقرون إمّا مقفرة أو ملجأ لصيادي السمك وللقراصنة .
جزيرة فرعون
عند راس خليج العقبة كما تبدو من الشاطئ الغربي
قلت : في هذا النصّ جملة من التصحيفات والتحريفات والمغالطات المقصودة .
أمّا التصحيفات فتعود إلى المترجم الدكتور محمد شيا ، ومنها على سبيل المثال :
1ــ هزيون جيبير Ezion Geber : والصحيح عصيون جابر ، هكذا ذكرتها المصادر العربية ، وكان الأولى بالمترجم اعتماد ما ورد في المصادر العربية .
2ــ الغوديان : والصحيح غِضْيان . هكذا ذكر الاسم في المصادر العربية القديمة والحديثة ، وهكذا ورد في بعض الأشعار ، ومن هذه المصادر تاريخ سيناء لنعوم شقير ، وتاريخ بئر السبع وقبائلها لعارف العارف .
3ــ وادي عربا : والصحيح وادي عربة ( وادي العربة ) كما هو معلوم مشهور .
أمّا المغالطات والتحريفات المقصودة فمنها :
1ــ القول في عصيون جابر : ( موقعه ربّما يكون في موقع نبع ماء مالح يدعى " عين الغودیان " مقابل واد يحمل الاسم نفسه ويجري من التلال الغربية الى وادي عربا Araba الكبير ، في نقطة تبعد عشرة أميال عن شاطئ البحر ) قول غير صحيح يدلّ على جهل فاضح فغضيان تقع على نحو 50 كم شمال رأس خليج العقبة على الجانب الغربي من وادي العربة تقابلها شرقاً بلدة رحمة ( ضربة قديماً ) ، فيما العشرة أميال تعادل نحو 16 كم أي إلى الجنوب من وادي المنيعية الذي اسماه اليهود تمناع بنحو 4 كم ، والتقدير الآخر وهو 14 ميلا يقارب نحو 22,5 كم إلى على نحو 2 كم شمال وادي المنيعية أي في منتصف المسافة بين غضيان ورأس خليج العقبة .
2ــ القول في عصيون جابر : ( فاللفظة العبرية هزيون Ezion ، في أصلها ، واللفظة العربية ، الغودیان ، تتقابلان حرفاً حرفاً كما أنهما متطابقتان صوتية ) قولٌ باطلٌ فاللفظان مختلفتان لفظاً ورسماً فاللفظة الأولى : ( ع ص ي و ن ) والثانية ( غ ض ي ا ن ) هكذا هما اللفظتان في اللغة العربية وهي المصدر الذي يجب العمل به عند مقارنة الالفاظ والأسماء العربية .
3ــ القول في ملك أيلة : ( استسلم جون ( حنّا ) الملك المسيحي على " إيلا " ) قول غير صحيح فالملك اسمه يوحنّا بن رؤبة وليس جون .
4ــ القول بأنَّ يوحنّا بن رؤبة استسلم لخلفاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ( مع اقتراب الجيوش المنتصرة لخلفاء محمد سنة 630 م ) قولٌ باطلٌ فقد استسلم يوحنّا بن رؤبة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم في شهر رجب عام 9 هــ 630 م وسار بكبار قومه إلى تبوك وقدّم للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعض الهدايا ، فأهداه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بردته وكتب له عهداً ذكره المؤرّخون .
5ــ القول في ذكر أيلة ( العقبة ) : ( في سنة 1116 احتلّه بلدوين الأول مع 200 رجل من أتباعه بعدما وجده مهجوراً . وفي سنة 1167 استعاده صلاح الدين وبقي كذلك منذ ذلك الحين ) قولٌ باطلٌ غير صحيحٍ فقد كانت البلدة عامرة فلمّا هاجمها بلدوين فرّ الأهلون ، ولمّا حرّرها صلاح الدين عادت لازدهارها ونهضتها من جديد يطرقها أهل العلم والتجّار والرحّالة ويستقرّ فيها الناس وكانت من أكبر محطّات درب الحاج المصري ، وكان لها والي يدير شؤونها ، وكان لها ميناءٌ عامرٌ تأتي إليه التجارات من مختلف الأقطار ، وفي البلدة مركز جمركي لتقاضي المكوس ( الضرائب ) ممّا يدلّ على نهضة كبيرة في المدينة .
وممّا سبق بيانه فإنّ الإستفادة من المصادر الغربيّة وغيرها تتطلّب الحذر من التسليم بقبول ما يقوله ويكتبه المستشرقون عن بلادنا وتاريخها وجغرافيتها فلا بدّ من التحقيق والتمحيص فكثيراً ما يتمّ دسّ السمّ في الدسم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق