تهتم هذه المدونة وتعنى بتاريخ وتراث وأعلام العقبة وجوارها

الثلاثاء، 15 مايو 2018

أيلة ( العقبة ) طريق قريش في رحلة الشتاء إلى فلسطين



كانت لقبيلة قريش رحلتها السنوية إلى بلاد الشام ، وكانت قريش تقصد بتجارتها مدينة غزّة ، وذلك إيلاف قريش . وذلك قوله تعالى : " ( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ . إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ . فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ . )
وكان من سنّ لقريش هذا هو هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . قال البلاذري : " كان هاشم بن عبد مناف صاحب إيلاف قريش الرحلتين، وأول من سنها. وذلك أنه أخذ لهم عصما من ملوك الشام، فتجروا آمنين " أ . هــ
وصلة هاشم بغزّة قديمة منذ مولده فيها . قال البيهقي : " كان مولده بغزة من بلاد الشام " ، قال : " ولمّا رحل في شأن الإيلاف على قيصر ، قال له قيصر : وما قدر الحاجة إليكم حتى نتكلف لكم هذه الذمة ؟ قال : ليس كل من يحسن إليه الملك يكون الملك محتاجاً لما عنده ، ولو كان ذلك لقل إحسان الملوك ؛ ولأن نأتيك بوجه الضراعة والحاجة إليك خير من أن نأتيك بوجه الاستغناء عنك والدالة عليك ! ففسر له كلامه فأعجبه ، وأمضى له ما أحب " أ . هــ
وقال مؤرّج السدوسي : " كان يأمر قُرَيْشاً أن يرحلوا إلى الشَّام في الصَّيف وإلى الْيَمنِ في الشِّتاء ، لبرد الشَّامِ ولحرِّ الْيَمَنِ ، فهما الرِّحلتان : رحلةُ الشِّتاء والصَّيفِ " أ . هــ
وقال ابن هشام : " كَانَ هَاشِمٌ ــ فِيمَا يَزْعُمُونَ ــ أَوّلَ مَنْ سَنّ الرّحْلَتَيْنِ لِقُرَيْشِ : رِحْلَتَيْ الشّتَاءِ وَالصّيْفِ ، وَأَوّلَ مَنْ أطعم الثريد للحجاج بِمَكّةَ ، وَإِنّمَا كَانَ اسْمُهُ : عَمْراً ، فَمَا سُمّيَ هَاشِمًا إلّا بِهَشْمِهِ الْخُبْزَ بِمَكّةَ لِقَوْمِهِ ، فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ :
عَمْرُو الّذِي هَشَمَ الثّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... قَوْمٍ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عِجَــــافِ
سُنّتْ إلَيْــــــهِ الرّحْلَتَانِ كِلَاهُمَا ... سَفَرُ الشتاء، ورحلة الإيلاف



قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ :
قَوْمٌ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عجاف

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ هَلَكَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بِغَزّةَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ تَاجِراً " أ . هــ
وقال الثعالبي : " كَانَ أوّل من خرج إِلَى الشَّام ، ووفد إِلَى الْمُلُوك ، وَأبْعد فِي السّفر ، وَمر بالأعداء وَأخذ مِنْهُم الإيلاف الذى ذكره الله هَاشم بن عبد منَاف ، وَكَانَت لَهُ رحلتان رحْلَة فِي الشتَاء نَحْو العباهلة من مُلُوك الْيمن وَنَحْو اليكسوم من مُلُوك الْحَبَشَة ، ورحلة فِي الصَّيف نَحْو الشَّام وبلاد الرّوم ، وَكَانَ يَأْخُذ الإيلاف من رُؤَسَاء الْقَبَائِل وسادات العشائر لخصلتين إِحْدَاهمَا أَن ذؤبان الْعَرَب وصعاليك الْأَعْرَاب وَأَصْحَاب الغارات وطلاب الطوائل كَانُوا لَا يُؤمنُونَ على أهل الْحرم وَلَا غَيرهم ، والخصلة الْأُخْرَى أَن أُنَاساً من الْعَرَب كَانُوا لَا يرَوْنَ للحرم حُرْمَة وَلَا للشهر الْحَرَام قدراً كبنى طَيء وخثعم وقضاعة ، وَسَائِر الْعَرَب يحجون الْبَيْت ويدينون بِالْحُرْمَةِ لَهُ ، وَمعنى الإيلاف إِنَّمَا هُوَ شَيْء كَانَ يَجعله هَاشم لرؤساء الْقَبَائِل من الرِّبْح ، وَيحمل لَهُم مَتَاعاً مَعَ مَتَاعه ، ويسوق إِلَيْهِم إبِلاً مَعَ إبِله ليكفيهم مئونة الْأَسْفَار ويكفى قُريْشًا مئونة الْأَعْدَاء ، فَكَانَ ذَلِك صلاحاً لِلْفَرِيقَيْنِ إِذْ كَانَ الْمُقِيم رابحاً وَالْمُسَافر مَحْفُوظًا ، فأخصبت قُرَيْش وأتاها خير الشَّام واليمن والحبشة ، وَحسنت حَالهَا وطاب عيشها ، وَلما مَاتَ هَاشم قَامَ بذلك الْمطلب " أ . هــ .
وكانت رحلة قريش إلى بلاد غزّة لا بدّ لها من المرور بأيلة ، وهذا يعني أنَّ هاشماً الذي وُلد ومات بغزّة كان يقوم بقيادة قافلة قومه من مكّة إلى بلاد غزّة مروراً بأيلة ، وكان هذا حال من بعده . أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : كانت قريش تتجر شتاءً وصيفاً فتأخذ في الشتاء على طريق البحر وأيلة إلى فلسطين يلتمسون الدفاء ، وأما الصيف فيأخذون قبل بصرى وأذرعات يلتمسون البرد فذلك قوله : إيلافهم " أ . هــ
وقال عبد العزيز بن صالح : " نسب إلى هاشم بن عبد مناف أنه آلف ملك الشام ، أي حصل على إيلاف أو عهد من قيصر الروم أو ملك غسان الممثل له في جنوب الشام لتنشيط التعامل مع قريش وتأمين تجارتها في ممتلكاته ، كما اكتسب مودة أحياء العرب وأمراء الشام المحليين لا سيما في أيلة وغزة والقدس حتى بصرى في حوران إلى الجنوب الشرقي من دمشق " أ . هــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق